Translate

Monday, August 6, 2007



د.خالد النويصر
KHALID@LFKAN.COM
يُعد تعديل الأنظمة المحلية لتنسجم مع القوانين الدولية أحد عوامل استقطاب الاستثمارات الدولية وتحفيز الاستثمارات المحلية، ولهذا الهدف عملت المنظومة القانونية في المملكة على توفير بيئة ملائمة لتشجيع الاستثمار للنهوض بالمستوى المعيشي للمواطن، وأمام هذه المعطيات فقد حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، على مواكبة التطورات الاقتصادية والقانونية الرامية إلى دفع عجلة الاقتصاد والتنمية في المملكة. ومن أهم هذه التطورات القانونية تعديل بعض مواد نظام الشركات الصادر بالمرسوم الملكي رقم /م/6/ وتاريخ 22/03/1385هـ الذي يأتي في إطار حزمة من الأنظمة الداعمة للاستثمار المحلي والأجنبي في المملكة خاصة بعد انضمامها إلى العديد من الاتفاقيات الثنائية والدولية المعنية بقضايا التجارة والاقتصاد كمنظمة التجارة العالمية WTO على سبيل المثال، وفي هذا الإطار فقد وافق مجلس الوزراء الموقَّر على قرار مجلس الشورى بتعديل المادة (158) من نظام الشركات، بحيث حلت عبارة "رأسمال الشركة ذات المسؤولية المحدودة يحدده الشركاء في عقد الشركة" محل عبارة " لا يقل رأسمال الشركة ذات المسؤولية المحدودة عن 500 ألف ريال سعودي".
وقد تباينت الآراء بين مؤيدٍ ومعارض لهذا التعديل المتضمن إلغاء الحد الأدنى المطلوب لتسجيل الشركة ذات المسؤولية المحدودة، حيثُ اتجه البعض إلى القول إنه يعد خطوة ضرورية ومهمة لإصلاح النظام القانوني لرأسمال الشركات ذات المسؤولية المحدودة وتحسين البيئة الاستثمارية في المملكة، بإعطائه فرصةً أكبر للشركاء في تحديد رأس المال من دون أن يكونوا ملزمين بحد أدنى أو سقف معين، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الأبواب أمام صغار المستثمرين والشباب والمهنيين ذوي الدخول المعتدلة لتأسيس هذا النوع من الشركات بما ينعكس إيجاباً على أداء الاقتصاد الوطني وإيجاد مزيدٍ من الفرص الوظيفية والاستثمارية، إلى جانب أن هذا التعديل يؤدي إلى تشجيع المشاريع المتوسطة والصغيرة لتتخذ شكل الشركة ذات المسؤولية المحدودة بدلاً من شكل شركات الأشخاص التي لا يتاح فيها للشركاء التمتع بمزية أن تكون مسؤوليتهم محدودة بحدود حصصهم في رأسمال الشركة، كذلك فإن التعديل يتيح للمؤسسين للشركات ذات المسؤولية المحدودة الاستمرار في العمل بالحد الأدنى الملغى والبالغ 500 ألف ريال بالنسبة للشركات التي تم تأسيسها قبل صدور قرار مجلس الوزراء الموقر بالتعديل الجديد، أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعديل عقود تأسيس الشركات وأنظمتها الأساسية نزولاً إلى الحد الأدنى الذي يتفق عليه الشركاء في عقد تأسيس الشركة.
وفي المقابل، فإن البعض الآخر يجد أن هذا التعديل لا يتناسب مع هذا الشكل من أشكال الشركات التي تقترب من شركة الأموال من حيث تحديد مسؤولية الشركاء فيها، إذ إن هذا الشكل يمكن الشركاء من تحديد مسؤولية كل شريك بقدر حصته في الشركة ويدرأ عنهم مخاطر المسؤولية المطلقة والتضامنية التي يتعرض لها الشركاء المتضامنون في شركات الأشخاص، لذا، فإنه من الأهمية بمكان أن يكون هناك حد أدنى لرأسمال هذه الشركات في نظام الشركات لأن المشاريع الاقتصادية التي تتم في ظل هذه الشركات ليست بالصغيرة وإنما لها تأثير كبير في اقتصاد الدولة، إلى جانب أن الشركة ذات المسؤولية المحدودة ورغم ما تحققه من مزايا للشركاء إلا أنها لا تتمتع بائتمان قوي في الأوساط التجارية بسبب مسؤولية الشركاء المحدودة وضعف الحد الأدنى لرأسمالها في ظل نظام الشركات قبل التعديل والذي لا يحقق ضماناً كافياً لدائنيها خلافاً لما هو عليه الحال في شركات الأشخاص حيث يُسأل الشركاء المتضامنون مسؤولية شخصية وتضامنية عن التزامات الشركة، وكذلك شركات المساهمة التي يقوم ضمان دائنيها على كبر رأس المال ورقابة الجهات الحكومية الفاعلة على نشاطها وآليات ممارسة أعمالها.
كما أن الخشية من هذا التعديل أن تتخذ الشركات ذات المسؤولية المحدودة ستاراً للتلاعب بحقوق العملاء، وذلك عندما يعقد المسؤولون عن إدارتها صفقات مع هؤلاء العملاء تزيد قيمتها على موجوداتها، مما يُشكل خطراً على حقوق المتعاملين معها الذين لا يسمح لهم نظام الشركات بمساءلة الشركاء في أموالهم الخاصة عندما لا تتمكن الشركة من الوفاء بتعهداتها، فتكون هذه الشركة وسيلة للتهرب من المسؤولية القانونية وزعزعة الائتمان الذي يقوم عليه النشاط التجاري.
ولتجنب المخاطر الكبيرة الناجمة عن ضعف الضمان الذي تقدمة الشركة ذات المسؤولية المحدودة للمتعاملين معها تحرص بعض القوانين في الدول المتقدمة على إحاطة إنشائها وعملها ببعض الضمانات المهمة التي من شأنها أن تحمي الشركة من الإفلاس وتحمي المتعاملين معها كذلك من تلاعب الشركاء. ومن هذه الضمانات وضع حد أدنى لرأس المال يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية وواقع البيئة الاستثمارية منعاً لتأسيس شركات لا توفر ضماناً كافياً لدائنيها والمتعاملين معها.
والحد الأدنى لرأسمال الشركة يُعد شرطاً لتأسيسها واستمرارها ومزاولة نشاطها وما يؤكد أهمية ذلك هو أن التعديل الأخير للمادة (180) من نظام الشركات المعدلة بالمرسوم الملكي /م/22/ وتاريخ 30/7/1422هـ أوجب على المديرين أن يعرضوا على الشركاء أمر حل الشركة ذات المسؤولية المحدودة إذا بلغت خسائرها 50 في المائة من رأسمالها، وإذا أهمل المديرون دعوة الشركاء جاز لكل ذي مصلحة أن يطلب حل الشركة.
ونظراً لأهمية الدور الذي تقوم به الشركات ذات المسؤولية المحدودة في بعض الجوانب المهمة من النشاط الاقتصادي في المملكة وتأثيرها في مصالح المواطنين والمقيمين، فلا شك أن هذا التعديل يُعد إضافة نوعية لهذا الشكل من الشركات لا سيما من حيث مواكبته التطورات القانونية في ضوء البيئة الاستثمارية الجديدة في المملكة والتي تحتاج إلى مزيدٍ من جهود الجهات المختصة لإجراء تعديل على كامل أحكام الشركة ذات المسؤولية لتغطي جميع جوانبها القانونية من حيث تأسيسها وإدارتها وتصفيتها والرقابة عليها حتى لا تصبح الشركات ذات المسؤولية المحدودة أداة للاستغلال والتلاعب بحقوق المتعاملين مع الشركة. وفي هذا الصدد, فإن إلغاء الحد الأدنى لرأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة يتلاءم مع التطورات الدولية والإقليمية ومتطلبات المستثمرين وتأكيداً على أن المملكة ماضية بقوة نحو إيجاد إطار قانوني يقدم حزمة من الامتيازات والتسهيلات للاستثمار المحلي والأجنبي ويفتح مزيداً من أبواب الاستثمارات المتوسطة والصغيرة في المملكة.