Translate

Sunday, March 30, 2008

النفطوالأجيال المقبلة

د.خالد النويصر
KHALID@LFKAN.COM
إن مورد النفط وفي ظل ارتفاع أسعاره التي فاقت الـ 100 دولار للبرميل، يظل المورد الرئيس الذي تتدفق فوائضه على الخزانة العامة ويمول جُل برامج ومشاريع التنمية الوطنية، وإن المرحلة الراهنة في أسعاره هي اللحظة المناسبة لتوظيف فوائضه العالية لإقامة المشاريع الاقتصادية والإنمائية الكبيرة التي تجعل هذا الكيان في مأمن من أية هزات أو انتكاسات أو تغيرات اقتصادية أو سياسية عالمية أو إقليمية في هذا المورد والثروة الوطنية الغالية، وكثير من الصناعات في السعودية صناعات تحويلية واستهلاكية بسيطة غير ذات جدوى اقتصادية كبيرة، ما عدا صناعات مثل "سابك" أو البتروكيماويات وغيرها، فالاتجاه إلى الصناعات الإنتاجية الكبيرة ذات المردود الاقتصادي، مطلب في ظل الطفرة الراهنة لأسعار النفط، حتى يؤمّن للوطن وللأجيال المقبلة مستقبلاً وحياة كريمة.
إن الأجيال المقبلة التي نعني بها هم أبناؤنا وأحفادنا، الذين لهم بالطبع نصيب من هذه الثروة الوطنية، وقد ران صمت على هذا الموضوع الكبير والمهم وآن له أن يُفتح بكل الشفافية والوضوح، فالدخل العائد من هذه الثروة الوطنية، لا بد له من وضع استراتيجية اقتصادية واضحة تراعي وتستصحب حقوق تلك الأجيال المقبلة وتحفظ لها حقها الطبيعي في سبيل هذا الكيان ومستقبله. ثم إن أسعار النفط دائماً ما تكون رهينة بالتقلبات السياسية والاقتصادية العالمية وتلحق عجزاً فادحاً في ميزانيات الدول المنتجة له، ويكون العلاج مؤلماً وقاسياً كسياسات شد الأحزمة والتقشف والاقتراض وخفض الإنفاق وغيرها وهي من الخيارات الصعبة والمرهقة.
ورغم وجود عدة صناديق اقتصادية استثمارية في السعودية، مثل صندوق الاستثمارات العامة وتوجه الجهات المختصة أخيرا إلى تأسيس شركة لصالح هذا الصندوق ويمكن وصفها بالصندوق السيادي لإدارة ثروات السعودية، حيث بلغت هذه الشركة مراحل متقدمة وهي حالياً أمام المجلس الاقتصادي الأعلى للنظر فيها، وسيرتكز محور نشاطها على الاستثمارات المحلية والفرص المتاحة في السعودية، إلى جانب مجالات الاستثمار العالمية، ورغم وجود صناديق استثمارية أخرى متخصصة، إلا أن هذه الصناديق لا يمكن لها أن تقوم مقام صندوق خاص ومستقل يُعنى بحقوق الأجيال المقبلة، حيث أضحى هذا الصندوق ضرورة ليحفظ لتلك الأجيال حقها في هذه الثروة الوطنية. ويمكن أن تخصص الجهات المعينة جزءاً بسيطاً من عائد بيع كل برميل نفط ليعود لميزانية هذا الصندوق، كما هو الحال في ضرورة قيام صندوق ضمان استقرار العائدات النفطية Stabilization Fund لحماية هذا الكيان وأجياله الحالية والمستقبلية من التقلبات الاقتصادية والسياسية لهذا المورد الاستراتيجي المهم، وهو الأمر الذي يستحق تناوله في مقام آخر.
إن استقلالية صندوق الأجيال المقبلة من جميع الجوانب الاقتصادية والاستثمارية والإدارية وقيامه وفق رؤية استثمارية تتسق والوضع المالي في السعودية، كفيل أن يحفظ للأجيال المقبلة حقها من عائدات النفط، بل ويحمي هذا الكيان من أية تقلبات اقتصادية أو سياسية. إن عدة دول نفطية قد أنشأت عدداً من هذه الصناديق كفنزويلا والنرويج ولعل في تجربة الكويت الناجحة في هذا الصدد خير مثال، ففي الخمسينيات من القرن الماضي أقامت الحكومة الكويتية صندوق الاحتياطي العام المناط به جميع استثمارات الحكومة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ثم كانت الطفرة الكبرى حين أسست الكويت صندوقا احتياطيا للأجيال المقبلة، وقد أسهمت موارد هذه الصناديق بكفاءة في تغطية نفقات الحكومة الكويتية بعد تعرض الكويت للاحتلال العراقي، وتشكل عائدات هذه الصناديق في الوقت الراهن مصدراً مهما ورئيساً لإيرادات الحكومة بعد النفط. ويمكن الاستفادة من تلك الفوائض المالية المودعة للصندوق المقترح عن طريق تنميتها وتوظيفها في مشاريع استثمارية تعود فائدتها للأجيال المقبلة. ومع أن هذا الصندوق قد لا يُؤتي ثماره بشكل عاجل ومباشر، إلا أنه يُشكل ضمانة لحقوق الأجيال المقبلة في هذه الثروة الوطنية.
إن المجلس الاقتصادي الأعلى، بحسبانه أحد الجهات المهمة في رسم سياسة السعودية الاقتصادية، من المتوقع أن يضع التحوطات والخطط الاقتصادية الكفيلة بحماية هذا الكيان وأجياله الحالية والمستقبلية من التغيرات الاقتصادية والسياسية بسبب تقلبات أسعار النفط وتجنيب هذه الثروة الوطنية من أية انتكاسات اقتصادية طارئة ـ لا سمح الله ـ وبما يضمن انتفاع الأجيال المقبلة من عائداتها، ولا سيما أنها سلعة استراتيجية عالمية تتأثر وتؤثر في مجريات جميع الجوانب العالمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فالمطلوب الاستعداد لأسوأ الخيارات، وليست تجربتي حربي الخليج الأولى والثانية ببعيدة عن الأذهان، فالحروب والنزاعات غالباً ما تلتهم رصيداً كبيراً من موارد الدول. كما أن كل الدلائل والمؤشرات تشير إلى أن الصراعات المقبلة ستكون حول المياه والنفط، الذي لم يُعد وسيلة، بل تحول إلى غاية وأوراق ضاغطة على السياسة والاقتصاد، حيث يحاول الكثيرون استخدامه في ذلك، ولابد من الانتباه إلى ذلك باتباع التخطيط العلمي السليم، ليس في هذا المجال فحسب، وإنما السعي لجعله منهجاً لاستخدامه في جميع مجالات حياتنا وشؤوننا وإعلاء قيمته وجعله منهجاً وأساساً تعليمياً منذ مرحلة باكرة.
ختاماً، فإن الحاجة ملحة الآن لقيام صندوق استثماري يحفظ حقوق الأجيال المقبلة في ظل هذه اللحظة المناسبة لارتفاع أسعار النفط وتدفقات فوائضه على الوطن لتنعم تلك الأجيال ولينعم الوطن بالرخاء والتقدم والازدهار.