Translate

Sunday, April 13, 2008

الشبابوالمشروع الحضاري الوطني


د.خالد النويصر
KHALID@LFKAN.COM
تمثل شريحة الشباب في المملكة رقماً كبيراً من مجموع سكانها, وتمثل هذه الشريحة المهمة استراتيجية كبيرة في البناء الوطني, إذ هم جُل المستقبل وأصحاب القرار في مجالاته كافة, إلى جانب أنهم يسهمون بنصيب مقدر في الحاضر, وبقدر الوقوف على مشكلاتهم بقدر ما يسهم ذلك في رسم مستقبل هذا الكيان. فهناك تحد كبير يتمثل في كيفية إدارة التحول الديمجرافي والزيادة المطردة في السكان, حيث يُقدر الخبراء في هذا الجانب وصول سكان المملكة إلى 24 مليون نسمة بحلول عام 2020م, مع ما يستتبع ذلك من تغيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة. وعلى الرغم من النسبة الكبيرة التي تشكلها فئة الشباب في المجتمع, إلا أن هناك فجوة بين قوتهم الحقيقية وقدرتهم الفعلية على الإسهام في عملية التنمية والبناء.
إن الشباب يواجه اليوم عدة تحديات ثقافية وفكرية وصراع بين الأجيال وتكيف مع النظم التعليمية وحرية التعبير والتوظيف, كما أن العالم اليوم يمر بتحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية متسارعة, تنعكس كلها على سلوكيات أولئك الشباب من خلال وسائط الاتصال المتاحة لهم والتي تصبح الرقابة عليها غير ذات جدوى. وكل هذه التحديات تتطلب حلولاً مناسبة لها, مما يتطلب زيادة الوعي بمشكلات أولئك الشباب كفئة اجتماعية عريضة, لابد من الوقوف عند همومها وتطلعاتها ووضعها في مركز الاهتمام والعناية, وإن طرح مشروع حضاري وطني ينضوي تحت لوائه جميع الشباب للمشاركة في بناء هذا الكيان أصبح ضرورة في هذه المرحلة, فمثل هذا المشروع الحضاري قادر على توجيه جهود شبابنا وفق تنشئة وطنية تكون إضافة حقيقية للرصيد الوطني في البناء, كما أن هذه التنشئة الوطنية تأخذ في ثناياها احترام الوقت وحب العمل والوسطية في حياتنا بعيداً عن الغلو والتزمت, وتبين بجلاء أن الفكر وحده هو الذي ينتصر على الفكر وليس العنف والانغلاق هما اللذين ينتصران على الفكر.
ولا شك أن التخفيف من التربية القائمة على التلقين والأخلاقيات الوعظية والاستعاضة عنها بتربية تقوم على التكيف الإيجابي مع حضارة القرن الـ 21 تؤدي إلى تكيف ذهنية الشباب على أسباب التغيرات التي يشهدها العالم من حولنا وكيفية وقوعها وفهم مناهج التفكير لدى الأمم والثقافات الأخرى, وهذا مدعاة لقيام الوعي الإيجابي لأولئك الشباب وتخليصهم من هاجس الخوف من مصطلحات كالغزو الثقافي والخوف من طمس الهوية وغيرها, فالتربية القائمة على منهج التلقين ليست مجدية ولن تأتي بثمارها, إذ لا بد من بديل عنها يكمن في مزيد من ثقافة الحوار والمشاركة والجدل والتفكير للوصول إلى الحقائق. كما أن من أهداف التنشئة الوطنية السليمة احترام أولئك الشباب للنظام والقانون وحق الآخرين, والاحتكام للأغلبية وممارسة الديمقراطية منذ سن مبكرة في مدارسهم وجامعاتهم وجمعياتهم وجوانب حياتهم كافة, والتعريف بثوابت ديننا الحنيف بلغة العصر الذي نعايشه وبالأسلوب المناسب للزمان وبمراعاة التحديات والظروف التي نواجهها.
إن أجهزة الإعلام بلا شك لها دور كبير في تنشئة الشباب من خلال إبراز مشاكل الشباب ومنحهم فرص التعبير عن مشاكلهم عبر برامج حوارية خاصة بالشباب من جميع الفئات وليس التحدث نيابة عنهم فهم الذين يعبرون عن مشاكلهم لأنهم هم المعنيون, إلى جانب مد جسور الثقة بين المجتمع والشباب عن طريق قنوات اتصال فاعلة تقدر دور الشباب وتنمي لديهم الشعور بالانتماء وتنمية الحس بالمسؤولية من قبل جميع الأطراف المعنية في المجتمع و تشجيع الشباب على الاضطلاع بدورهم كشركاء فاعلين في المجتمع عبر تأهيل وتدريب النخبة منهم وتقديمهم كنماذج مساهمة في عملية البناء والتنمية.
ثم تأتي إقامة المنافسات والمسابقات الثقافية بين الشباب على مستوى المملكة, بدءاً من المراحل التعليمية الأولى وحتى المرحلة الجامعية, كما هو الحال في عدة دول أخرى, وإقامة مجمعات خاصة بهم للوصول إلى إبراز مواهب الشباب وتمكينهم من المشاركة في المحافل الشبابية الدولية, وتكريم النخبة المتفوقة منهم وتحفيزهم بجوائز لهم, ولعل مثل هذه المسابقات تكون نواة راسخة لفرقنا الوطنية الثقافية, ثم هنالك الأمل المعقود على القطاع الخاص من خلال تكثيف واستمرارية جهوده الرامية لمساعدة الشباب على اجتياز العقبات وفتح آفاق المستقبل لهم, انطلاقاً مما تمليه أخلاقيات المسؤولية الاجتماعية تجاه هذه الفئة الاجتماعية المهمة من خلال توفير مناخ فكري صالح وتثقيفهم وتنويرهم بلغة العصر حتى يشبوا دعائم بناء وتنمية لمجتمعهم ولوطنهم.
ومن آليات التربية, الحوار الذي هو ضروري لإقناع جميع الشرائح بمن فيهم الشباب بضرورة التواصل مع المجتمعات العالمية الأخرى والاستفادة من الإيجابيات العلمية والاقتصادية وغيرها وهو الحل لإقناع الفئات المتخوفة أو الرافضة من الدخول للمجتمعات العالمية والاستفادة من إيجابياتها, ويأتي الخطر من التقوقع والانكفاء على الذات ورفض كل ما هو خارجي, إذ حينها سيلهث الشباب خلف ذلك المرفوض, لذا يجب تبصير الشباب ومنحهم الفرصة لرؤية الإيجابي بالخارج لربطه بالإيجابي بالداخل. وهذا كله من أجل إعداد جيل قادر على الوفاء بمتطلبات جميع خطط ومشاريع التنمية وتقديم صورة زاهية ومشرفة بين الأمم والشعوب لهذا الكيان الرحب القادر على احتواء الجميع في إطاره الرحب الكبير.