Translate

Sunday, July 31, 2011

بطلاناتفاق التحكيم


د.خالد النويصر
khalid@lfkan.com
الاتفاق على التحكيم يُعد أهم خطواته، بل إنه يُعد أولى خطوات العملية التحكيمية، وقد أجازه نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 وتاريخ 12/07/1403هـ في مادته الأولى، حيث حدد النظام طريقتين للاتفاق على التحكيم، الأولى قبل نشوء النزاع، ويكون ذلك من خلال تضمين العقد الأساسي المبرم بين الأطراف حل النزاع الذي ينشأ بينهم عن طريق التحكيم، وهو ما اصطلح على تسميته شرط التحكيم، أما الطريقة الأخرى فتكون بعد نشوء النزاع، وفي هذه الحالة يتم اتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم لحل النزاع وتُسمى هذه الطريقة وثيقة التحكيم أو عقد التحكيم أو مشارطة التحكيم.
ونظراً لأهمية هذا الأمر، فقد تطلب نظام التحكيم في مادته الخامسة النص على البيانات التي يجب أن تحتوي عليها وثيقة التحكيم، منها موضوع النزاع وأسماء المحكمين وتوقيعاتهم وقبولهم مهمة النظر في النزاع والفصل فيه وبيانات الخصوم وتوقيعاتهم ووكلائهم الرسميين، حيث نص على أنه ''يودع أطراف النزاع وثيقة التحكيم لدى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع، ويجب أن تكون هذه الوثيقة موقعة من الخصوم أو من وكلائهم الرسميين المفوضين ومن المحكمين، وأن يُبين بها موضوع النزاع وأسماء الخصوم وأسماء المحكمين وقبولهم نظر النزاع وأن تُرفق بها صور من المستندات الخاصة بالنزاع ''. وحال خلو الوثيقة من بعض هذه البيانات، فإنها تكون ناقصة، مما يوجب إكمالها على النحو المنصوص عليه في هذه المادة والمادة السادسة من لائحة نظام التحكيم الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 7/2021 وتاريخ 8/9/1405هـ.
ويُعد اتفاق التحكيم المبرم بين الأطراف سواء كان شرطاً أو وثيقة عقد رضائي كسائر العقود له خصائصه ومميزاته ويتضمن حقوقاً والتزامات بين طرفيه ويخضع لقواعد المشروعية وعيوب الإرادة، فقد يكون صحيحاً كما قد يكون باطلاً أو قابلاً للبطلان، لأنه عقد من العقود الرضائية المسماة والملزمة للجانبين، فإذا تم بالشكل الصحيح وتوافر فيه الرضا والمحل والسبب والأهلية، فإنه لا يجوز لأي من طرفيه الرجوع فيه أو فسخه أو تعديله إلاّ بموافقة الطرف الآخر ومن ثم ينأى عن البطلان، أما إذا خالف ذلك جاز لأي من طرفيه أو الغير الدفع ببطلانه.
ورغم كل ما تقدم إلا أن الواقع العملي يؤكد وجود العديد من الأسباب التي تؤدي إلى بطلان اتفاق التحكيم في بعض الحالات، ومن هذه الأسباب البطلان الذي يلحق بشكل وثيقة التحكيم أو شرطه أو استحالة تنفيذه، كما إذا ورد شرط التحكيم مقرراً لأمر محرم شرعا، مثل الفوائد الربوية أو أمر آخر يتعلق بالنظام العام، وهناك العديد من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى البطلان، فالعقد الباطل أو الفاسد لا يكتسب حجية ويجوز الطعن فيه بالبطلان، كما يجوز للجهة المختصة أن تقضي به ولو من تلقاء نفسها وفي أي حالة تكون عليها الدعوى، كما لا يتقادم الدفع ببطلان اتفاق التحكيم.
ورغم وضوح هذه الأحكام فإن الاختلاف ينشأ بشأن بطلان شرط التحكيم وأثره في العقد الأساسي، وكذلك بطلان العقد الأساسي وأثره في شرط التحكيم، ويمكن القول إن نظام التحكيم السعودي قد خلا من بيان حكم هذه المسألة حال بطلان أي منهما وأثره في الآخر، ويتضح من ذلك أن بطلان العقد الأساسي الذي ورد به شرط التحكيم يؤدي إلى بطلان شرط التحكيم طبقاً للقواعد العامة في العقود، أما بطلان الشرط التحكيمي الوارد في العقد الأساسي فلا يؤدي إلى بطلانه طبقاً لقاعدة استقلال الشرط التحكيمي عن العقد الأساسي.
إلا أنه توجد حالات يترتب عليها ذات الأثر المترتب على بطلان شرط التحكيم، وهي حالات انقضاء شرط التحكيم، ومنها صدور حكم المحكم ومصادقة الجهة المختصة عليه، وتُعد هذه الحالة من النتائج الطبيعية لانتهاء وانقضاء اتفاق التحكيم وذلك بتحقيق الغاية المرجوة منه وهو الفصل في النزاع بحكم نهائي تتم المصادقة عليه وتنفيذه من الجهة المختصة، كما يُعد ذلك إنهاء لالتزامات المحكمين التي التزموا بها بموجب وثيقة التحكيم، كما ينقضي اتفاق التحكيم باتفاق الخصوم على التنازل عن شرط أو وثيقة التحكيم سواء كان ذلك قبل نشوء النزاع أو بعده أو حتى أثناء نظر جلسات التحكيم وقبل صدور حكم من هيئة التحكيم في النزاع، وقد يكون هذا التنازل صريحاً أو ضمنياً ومثاله لجوء أحد الخصوم إلى طرح النزاع بدعوى أمام القضاء وحضور الطرف الآخر في الدعوى وإبداء دفوعه ودفاعه فيها دون التمسك بشرط التحكيم.
ومن الحالات - أيضاً التي ينقضي بها اتفاق التحكيم، قيام أطراف النزاع بعرض موضوع أو مسألة معينة مرتبطة بالتحكيم على القضاء، وفي هذه الحالة يكون للقضاء - نظراً للارتباط بين الموضوعين ووحدة الخصوم - بحث الموضوعين معاً وإصدار حكم فيهما، حيث إن للقضاء الولاية العامة في الفصل في جميع المنازعات.
ولا يخفى أيضاً أن اتفاق التحكيم ينقضي بعدم صدور حكم التحكيم في النزاع المعروض عليه في المدة المحددة في وثيقة التحكيم، وأنه طبقاً للمادة التاسعة من نظام التحكيم لمن يشاء من الخصوم أن يتقدم إلى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع لتصدر قرارها حال التأخر في صدور حكم التحكيم عن المدة المحددة له، وفي هذه الحالة على القاضي التأكد من الأسباب التي أدت إلى تأخير البت في النزاع التحكيمي، وله النظر في الموضوع أو مد الميعاد لفترة أخرى على النحو المنصوص عليه في المادة التاسعة من نظام التحكيم.
ويجب أن يكون واضحاً أن اتفاق التحكيم لا ينقضي بوفاة أحد الخصوم أو نقصان أهليته أو وفاة أحد المحكمين وإنما يجوز مد الميعاد المحدد لصدور الحكم، وذلك طبقاً للمادة 13 من نظام التحكيم.
ونظراً لأهمية الأسباب التي قد تؤدي إلى بطلان اتفاق التحكيم أو انقضائه، فإنه يجب النص في نظام التحكيم على مثل هذه الحالات بالنظر إلى عظم الأثر الذي يترتب على هذه الأسباب وهو بطلان أو انقضاء اتفاق التحكيم، حتى تكون هذه الحالات واضحة لكل المتعاملين بنظام التحكيم سواء كانوا خصوماً أو محكمين أو قضاة، كما أن تحديد الحالات والنص عليها سينهي كل حالات اختلاق أسباب أو حالات بطلان أو انقضاء اتفاق التحكيم التي تُطرح من جانب أحد الأطراف أو من الغير حتى لا يترتب على ذلك تأخير الفصل في النزاع، ما يؤدي إلى إهدار حقوق الناس وفقد الثقة بفاعلية وسرعة العدالة.

Sunday, July 24, 2011

أهميةحق المحامي في الحصول على صور المستندات


د.خالد النويصر
khalid@lfkan.com
المحاماة مهنة حرة نبيلة، فالمحامي يعتبر شريكاً للقاضي في إقامة العدالة وتأكيد سيادة الشرع والنظام والمحافظة على حقوق وحريات الأفراد باعتبار أن كلاً منهما يبحث دائماً عن الحقيقة والعدل، فإذا كان لا بد للناس من قضاة يحتكمون إليهم في منازعاتهم فلا بد لهم أيضاً من محامين ينوبون عنهم في الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم.
هذه الغاية النبيلة التي تضطلع بها مهنة المحاماة، التي وضع أسسها نظام المحاماة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/38) وتاريخ 28/7/1422هـ متضمناً كيفية ممارسة المهنة والشروط الواجب توافرها في المحامي من حقوق وواجباتٍ وآداب، إضافة إلى عديد من الأمور المهمة الوارد ذكرها في كتب الشريعة والفقه، التي تخص مهنة المحاماة والعاملين فيها.
وتتعدد الحقوق المكفولة للمحامي، فهي قد تكون حقوقاً خاصة له أو حقوقاً مرتبطة بممارسة أعماله نيابة عن موكله أمام الجهات الحكومية، ومنها القضائية وغيرها، أو إلى أي من الحقوق الأخرى التي تُمنح للمحامي وهي الحقوق المقررة لموكله باعتباره نائباً عنه. ومن أهم هذه الحقوق حقه في لقاء موكله حال إيقافه أو سجنه وحقه في حضور التحقيق أمام الجهات المختصة، وحقه في الدفاع عن موكله بالقبول أو الرد والدفاع في القضايا الموكلة إليه وهو ما يسمى (الإثبات والنفي)، كذلك حقه في الحفاظ على معلوماته وأسراره المهنية، وحقه في المرافعة عن موكله مع إنابته غيره عنه إذا ما رغب في ذلك، وخلو ساحته حال ترتب المسؤولية عن الدعوى التي يباشرها، وحقه في الحصول على المقابل المالي الذي يناسب جهده أو ما تم الاتفاق عليه مع موكله مع ملاحظة أن هذه ليست كل الحقوق المقررة للمحامي، بل إن هناك حقوقاً كثيرة أخرى لا مجال لسردها كلها.
ومن الأهمية بمكان الالتفات إليها، وهي في حقيقة الأمر في حاجة، إما إلى نص وإما تفعيل لها، ومن أهمها حقه في الاطلاع على أوراق الدعوى ومستنداتها، سواء أكانت هذه الدعوى في مرحلة التحقيق أو في مرحلة المحاكمة، إذ يجب أن يفعّل هذا الحق، خاصة إذا كانت الدعوى في مرحلة التحقيق أمام السلطة المختصة، لأنه لا يوجد مستند في حكم النظام يُعد سراً على المحامي يحول دون اطلاعه عليه نيابة عن موكله، وذلك طبقاً لما تم النص عليه في المادة (19) من نظام المحاماة التي تضمنت ''على المحاكم وديوان المظالم واللجان المشار إليها في المادة الأولى من هذا النظام والدوائر الرسمية وسلطات التحقيق أن تقدم للمحامي التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه، وأن تمكنه من الاطلاع على الأوراق وحضور التحقيق، ولا يجوز رفض طلباته دون مسوَّغ مشروع".
إن حق اطلاع المحامي على كامل مستندات الدعوى يُعد من ضروريات الحقوق التي يجب المحافظة عليها، ويتطلب معه حثُّ جميع الجهات التي يتعامل معها المحامي نيابة عن موكله بتفعيل وتأصيل هذا الحق استناداً إلى الغاية التي قُرر من أجلها وهي إحقاق الحق والعدل، ولأن المحامي لن يتمكن من الدفاع عن موكله من دون الاطلاع على أوراق الدعوى كاملة وذلك للوصول إلى محاكمة متكافئة بين طرفي الخصومة، حيث يتطلب الأمر دراسة ومعرفة أدلة الإثبات والنفي المتوافرة فيها، وأن يكون المحامي ملماً بمراحل التحقيق وأقوال الشهود وما دوّن في التقارير.
ولا بد من الإشارة إلى أن حق المحامي في الاطلاع على مستندات الدعوى أصبح أمراً غير كافٍ حالياً، نظراً لأن أغلب الدعاوى يتوافر فيها عديد من هذه المستندات التي قد تكون كثيرة ومتعددة، ومنها ما يتطلب إعادة بحثه وعرضه على أكثر من شخص، إضافة إلى المحامي، لذلك فإنه يتطلب أن يحصل المحامي على صور من هذه المستندات لإطلاع الفريق الذي يعمل معه عليها، حيث يستحيل عليه الإلمام بها حال الاطلاع عليها في مكان وجودها على النحو المنصوص عليه في التعليمات، وإنما يجب أن يُعطى الحق للمحامي في الحصول على صورة ضوئية أو رسمية من هذه المستندات التي منها التحقيقات التي تجريها جهات التحقيق المختصة والمحاكم حتى يعمد المحامي إلى دراستها دراسة متأنية بعيدة عن نطاق جهات التحقيق والمحاكمة.
إن هذا الحق المتمثل في حصول المحامي على صورة رسمية أو ضوئية من كامل ملف الدعوى قد نص عليه عديد من النظم القانونية الإقليمية والدولية، وإعماله يؤكد ترسيخ العدالة وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان وأخصها حقوق المتهم على النحو المنصوص عليه في المواثيق العربية والدولية المعنية بحقوق الإنسان والمصادق عليها من المملكة، كما أن ذلك يُسهل دور المحامي في الدفاع عن موكله ويكرس التعاون بين المحامين والجهات الرسمية.
كما أن هذا الأمر يتطلب تعديل الفقرة (د) من المادة (19) من لائحة نظام المحاماة السعودي التي ورد نصها على أنه ''يُمكن المحامي من الاطلاع على الأوراق وفق الضوابط التالية.... دــ عدم تمكين المحامي من تصويرها، أو إعطائه صوراً منها، ولا يمنع من كتابة ما يرغب كتابته منها لتعارض ذلك بما تطالب به'' كما أنه لا يكتفى بما تم النص عليه في المادة (161) من نظام الإجراءات الجزائية التي تنص على أن ''توجه المحكمة التهم إلى المتهم في الجلسة، وتُتلى عليه لائحة الدعوى وتُوضح له ويُعطى صورة منها ثم تسأله المحكمة الجواب عن ذلك'' إذ يتطلب الأمر ألا نكتفي بتسليم المتهم صورة من صحيفة الدعوى فحسب، وإنما يجب تسليمه صحيفة الدعوى وما أُرفق معها من مستندات وتحقيقات وتقارير فنية أو إجرائية قامت بها سلطة التحقيق.
وعلاوة على ما سبق، فإن من فوائد تمكين المحامي من الحصول على صور من مستندات الدعوى تسهل الوصول إلى الحكم السليم، وذلك عن طريق إظهار الحقيقة مما يبسط في نهاية المطاف مهمة القضاء، مع العلم أنه يوجد عديد من الأمور الأخرى التي في حاجة إلى تنظيم أو تعديل في نظام المحاماة لتفعيل دور المحامين وجعلهم شركاء حقيقيين للقضاة في إقامة العدالة تحقيقاً للغاية النبيلة التي تهدف إليها مهنة المحاماة.

Sunday, July 17, 2011

عزلالمُحكّم .. المشكلة والحل


د.خالد النويصر
khalid@lfkan.com
إن كانت مسألة تعيين المحكمين - التي تطرقنا لها في مقالنا السابق - من الأمور المهمة، فإن مسألة كيفية عزلهم، إذا اقتضى الأمر ذلك، لا تقل أهمية عن مسألة تعيينهم، إذ لا يخلو نظام تحكيم إقليمي أو دولي من التطرق لها نظراً لما يعكسه هذا الأمر من جدية في مسار عملية التحكيم والوصول إلى حكم نهائي في النزاع التحكيمي يُطابق - قدر الإمكان - الحق والعدل والنظام.
وتكمن أهمية مسألة عزل المُحكّم في النظر إلى أسباب وإجراءات العزل وأثر ذلك في الدعوى التحكيمية، إذ إنه ليس من صالح الدعوى أن يستمر مُحكّم في نظرها والفصل فيها من قامت أسباب جدية لعزله أو رده، لأن ذلك سيؤدي في نهاية المطاف، وبعد بذل الجهد والمال والوقت، إلى خلل في حكم التحكيم، ما قد ينتهي إلى بطلانه لتحقق أسباب العزل.
وتتعدد أسباب وإجراءات عزل أو اعتزال المُحكّم حسبما ينصّ عليه كل نظام، حيث نصت المادة الحادية عشرة من نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 في 12/07/1403هـ على أنه "لا يجوز عزل المُحكّم إلا بتراضي الخصوم، ويجوز للمحكم المعزول المطالبة بالتعويض إذا كان قد شرع في مهمته قبل عزله ولم يكن العزل بسبب منه، كما لا يجوز رده عن الحكم إلا لأسباب تحدث أو تظهر بعد إيداع وثيقة التحكيم". ويظهر من مطالعة نص المادة السابقة أن النظام اشترط تراضي خصوم الدعوى التحكيمية على عزل المحكم مع أحقية المحكم المعزول في التعويض عن عزله شريطة أن يكون قد شرع في نظر الدعوى، أي باشر إجراءاتها ولم يكن سبب العزل يرجع إليه، كما حفظت المادة السابقة أيضاً للمحكم عدم رده في الدعوى إلا بسبب ظاهر بعد إيداع وثيقة التحكيم مقر الجهة المختصة، وإن كانت هذه المادة أيضاً لم تتطرق إلى إمكانية اعتزال المحكم من تلقاء نفسه.
والهدف الذي تبناه نظام التحكيم من النص على أحقية الخصوم في عزل المحكم هو الحفاظ على قاعدة رضائية التحكيم واستمرار مبدأ أحقية الخصم في اختيار مُحكمِه، إذ إنه حال ثبوت سبب العزل قد يتكوّن لدى الخصم اعتقاد بعدم رضاه عن الحكم، إضافة إلى العديد من الأسباب والمحاذير الأخرى.
إلا أنه قد يرى أنه ليس شرطاً لعزل المحكم أن يتوافق الخصوم على عزله، فمتى توافرت الأسباب المؤدية إلى ذلك جاز لأحد الخصوم طلب عزل المحكم إذا لم يبادر هو من تلقاء نفسه إلى الاعتزال، ويكون للجهة المختصة بنظر النزاع تقرير مدى أحقية أحد الخصوم في طلب عزل المحكم في حال الاختلاف مع الخصم الآخر.
والأسباب التي يُعزل بها المحكم غير محدودة، ويمكن القول إنها هي الأسباب ذاتها التي ينعزل بها القاضي، كأن يطرأ عليه ما يفقده صفات القضاء مثل الجنون والخرس أو مرض يمنعه من مباشرة الأعمال المسندة إليه وغيرها من الأسباب العديدة الأخرى، بيد أن محاولة حصر كل الأسباب التي يمكن أن يُعزل بسببها المحكم قد يكون غير ممكن أو عملي على أرض الواقع، إذ قد تتعدد الأسباب وتختلف حسب الحالات والظروف وإن كان لا يوجد نظام في المملكة ورد به حصر حالات عزل القضاة وأسبابه، إلا أن بعض هذه الأسباب وردت مبعثرة في أنظمة عدة، منها قيام علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين القاضي وأحد الخصوم إلى درجة معينة، أو إذا كانت للقاضي مصلحة شخصية أو مادية أو معنوية في القضية التي ينظرها، وهذا ما تم النص عليه في نظام المرافعات الشرعية، ولا ينفي ذلك ما تم النص عليه في المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم من أنه "لا يجوز أن يكون محكماً من كانت له مصلحة في النزاع وحُكم عليه بحد أو تعزير في جرم مخل بالشرف، أو صدر بحقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة أو حكم بشهر إفلاسه ما لم يكن قد رد إليه اعتباره"، ويُعد ما ورد النص عليه في هذه المادة سبباً آخر لطلب عزل المُحكّم.
ويمكن القول إن السند في قياس أسباب عزل المحكم على أسباب عزل القاضي هو اتحاد العلة، ولأن كلاً منهما يجلس مجلس القضاء ويقضي في خصومات بين الناس ويكون لحكمة الحجية المطلوبة متى استنفد طرق الطعن عليه أو ذيل بالصيغة التنفيذية، كما أن نظام التحكيم قد ساوى بين المحكم والقاضي فيما يتعلق بأسباب رد المحكم والقاضي، التي قد تكون أقل حدةٍ من أسباب العزل وبالقياس يستنتج إلى أن أسباب عزل المحكم هي أسباب عزل القاضي ذاتها.
وحال تحقق أحد أسباب أو حالات العزل وجب على المحكم أن يتنحى من تلقاء نفسه عن نظر النزاع وإلا اضطر الخصوم إلى عزله عن طريق القضاء، وإذا ما أصر المحكم على السير في الإجراءات التحكيمية رغم توافر أسباب العزل والحكم في النزاع كان حكمه باطلاً، ويعد بطلان هذا الحكم من النظام العام الذي يجوز لأي من الغير التمسك والدفع بهذا البطلان في أية مرحلة كانت عليها الدعوى، بل يجوز للقضاء أن يقضي بالبطلان ولو من تلقاء نفسه.
وحرصاً من نظام التحكيم على إتمام إجراءات التحكيم وعدم تأخير الفصل في الدعوى نص النظام في المادة الرابعة عشرة على تمديد مدة التحكيم 30 يوماً حال عزل المحكم وإحلال آخر محله، إذ نص على أنه "إذا عُيّن بدلاً عن المحكم المعزول أو المعتزل امتد الميعاد المحدد للمحكم ثلاثين يوماً".
والأمر الذي يستحق التوقف والتأمل كثيراً هو أن نظام التحكيم لم يتطرق لحالة غياب المحكم عن جلسات التحكيم المحددة لنظر النزاع، سواء كان عضواً في هيئة تحكيم أو محكماً فرداً، وتنشأ هذه المشكلة حال التحكيم الحر وليس المؤسسي، والأول هو الذي يخضع في شروطه واختيار المحكمين والإجراءات وغيره لإرادة الأطراف، أما الثاني فهو الذي تلجأ فيه الأطراف لأحد مراكز التحكيم التي يكون لها من القواعد واللوائح ما ينظم العملية التحكيمية برمتها. وحلاً لهذه المشكلة لا بد من صدور تشريع واضح يمنع الضرر بمصالح الناس، مع العلم أنه يحق حسب الوضع الحالي للخصوم الرجوع إلى الجهة المختصة بطلب عزل هذا المحكم وتعيين آخر محله إذا لم تكن هنالك أسباب مقبولة لغيابه، كما يحق للأطراف طلب التعويض إذا أصابهم ضرر نتيجة ذلك.
كما يلاحظ في المادة الحادية عشرة من نظام التحكيم أنها تتضمن تعويض المحكم إذا تم عزله بعد قبوله مهمة التحكيم وقبل بدء إجراءات التحكيم، وهذا الأمر قد يسبب ضرراً معنوياً للمحكم ويستحق تعويضاً عن ذلك.
وتأسيساً على ما تقدم، فإنه يؤمل على من يتم اختياره محكماً أن ينأى بنفسه عن الشبهات وإذا ما توافرت أي من أسباب العزل أو الرد فعليه أن يبادر إلى التنحي وإن كان الخصوم لا يعلمون بأي من أسباب العزل أو الرد، وأن يبادر المحكمون إلى الإفصاح عن أي من هذه الأسباب قبل قبولهم مهمة التحكيم، نظراً للضرر الذي يترتب على ذلك وبالتحديد على الأطراف المتنازعة وربما على المحكم ذاته.

Sunday, July 10, 2011

إشكالية امتناع أحد الخصوم عن اختيار المُحكّم


د.خالد النويصر
إن مسألة تعيين المحكمين وكيفيتها وطريقة عزلهم تُعد من الأمور التي لا يخلو أي نظام تحكيم من التطرق لها نظراً لأهميتها في مسار عملية التحكيم، بل إنها تُعد أحد أهم أركان التحكيم برمته، ولذلك منح نظام التحكيم السعودي كغيره من أنظمة التحكيم الإقليمية والدولية الحق لأطراف الدعوى التحكيمية في تعيين المُحكم سواء أكان مُحكماً فرداً أم هيئة تحكيمية، انطلاقاً من أن التحكيم هو عمل اختياري، حيث يقوم النظام على قاعدة ارتضاء طرفي النزاع بشأن اختيار المُحكّم الخاص بهما، إلا أن البعض قد أساء استخدام هذا الحق من خلال امتناع الخصوم عن تعيين المُحكّم أو المحكمين أمام الجهة المختصة بنظر النزاع، مما يؤدي إلى عدم إتمام إجراءات التحكيم ومن ثم تأخر الفصل في النزاع، وبالتالي يلحق أضراراً كبيرة وفادحة بالطرف صاحب الحق.
الجدير بالذكر أن نظام التحكيم السعودي قد تنبَّه إلى هذا الأمر، إذ نصَّ في المادة العاشرة منه على أنه ''إذا لم يعيِّن الخصوم المحكمين، أو امتنع أحد الطرفين عن تعيين المحكم أو المحكمين الذين ينفرد باختيارهم، أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين عن العمل أو اعتزله، أو قام به مانع من مباشرة التحكيم أو عزل عنه ولم يكن بين الخصوم شرط خاص، عينت الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع من يلزم من المحكمين، وذلك بناء على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم، ويكون ذلك بحضور الخصم الآخر أو في غيبته بعد دعوته إلى جلسة تعقد لهذا الغرض، ويجب أن يكون عدد من يعينون مساوياً للعدد المتفق عليه بين الخصوم أو مكملاً له، ويكون القرار في هذا الشأن نهائياً''. وبذلك يفترض أنه يتحقق لأطراف النزاع الحق الكامل في اختيار المحكمين دون وصاية من أية جهة، وبموجب هذا يتحمل كل طرف مسؤولية اختيار محكمه.
بيد أن نظام التحكيم قد يكون قد تطرق لنقطة مهمة عندما نصّ على أحقية الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع في تعيين المُحكم حال امتناع أحد الخصوم عن تسمية المُحكم المُعين من طرفه وذلك بناء على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم بأن يكون ذلك بحضور الخصم أو في غيابه بعد إعلانه بجلسة تعقد لهذا الغرض، والهدف من هذا الحكم تجنب تأخير الفصل في النزاع بسبب تعنت أحد الخصوم عن تعيين المحكم الخاص به أو عدم حضوره الجلسات السابقة لتشكيل هيئة التحكيم أمام الجهة المختصة بنظر النزاع، وهذا هو ذاته ما نصت عليه أيضاً العديد من المراكز المحلية والدولية مثل مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث جاء في المادة (11) منها إذ إن الأصل في اختيار المحكم أو هيئة التحكيم هو أن للأطراف الحرية في ذلك، وفي حال الاختلاف بينهم يقوم الأمين العام بتعيينهم، استنادا إلى المادة (12) من لائحة إجراءات التحكيم.
وعلى الرغم من نص المادة العاشرة من نظام التحكيم رقم (م/46) وتاريخ 12/07/1403هـ فيما يخص تعيين المحكمين، إلا أن ما جاء في النظام أمر والواقع للأسف أمر آخر، حيث إن إجراءات تعيينهم لا تتم بهذه السهولة والسرعة وقد تستغرق وقتاً طويلاً ولربما يصل في بعض الحالات إلى عدة سنوات وبذلك تتلاشى القيمة أو إحدى القيم الإيجابية للتحكيم وهي عامل السرعة وعنصر الزمن.
وحلاً لهذه المشكلة فهناك تساؤل مشروع وهو هل يتطلب الأمر أن يشمل شرط التحكيم المنصوص عليه بعقود الاتفاق أو مشارطة التحكيم آلية دقيقة ومحددة لاختيار المُحكّم أو المحكمين أم أنه يكون من الأفضل أن يترك الأمر إلى ما بعد حدوث الخلاف بين الطرفين. إن القول بالنص في شرط التحكيم عن كل هذه الإجراءات يُعد من الأمور المحمودة التي تُجنِّب الخلاف مستقبلاً، لكن هذا يعتبر بمثابة مطلب مثالي وصعب المنال، بل إنه سيؤدي إلى الخلاف لعدم إمكان تطبيق ذلك، خاصة إذا ما انقضى وقت طويل بين تحرير شرط التحكيم بالعقد وبين قيام النزاع، إذ تتعدل الأنظمة والشروط المطلوبة لكل نزاع، مما يجعل الأطراف مضطرة إلى إدخال التعديلات على شرط التحكيم الذي يمكن أن يكون بمشارطة التحكيم ومن ثم يلغي اللاحق السابق.
لذا، فإنه قد يكون من الأفضل أن يدوّن كل ما يتعلق بأعضاء هيئة التحكيم بعد نشوء النزاع أي حال إعداد مشارطة التحكيم وليس قبل ذلك، وبالأخص فيما يتعلق بالفرعيات عدا الأصول العامة، كما أنه يفضل أن يوكل الأطراف إلى جهة معينة تحديد المحكمين وتعيينهم بالاتفاق مع أطراف النزاع كمراكز التحكيم المعروفة حال اختلاف الأطراف على ذلك، على أن يتم ذلك في مدة غير طويلة وربما تكون على سبيل المثال خلال أسبوعين من تاريخ تقديم طلب التحكيم، ومن ثم تكون وثيقة التحكيم هي الخطوة الأولى في اختيار المحكمين طبقا لنص المادة الأولى من نظام التحكيم التي تنص على أنه ''يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين قائم، كما يجوز الاتفاق مسبقاً على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة لتنفيذ عقد معين".
هذا ويجب على الأطراف قبل اختيار المحكمين أن يضعوا في اعتبارهم الشروط الواجب توافرها في المُحكم حال تعيينه حتى يكون اختياره صحيحاً، ومن هذه الشروط أن يكون محايداً وكفئا لتولي هذه المهمة وألا تكون له مصلحة قائمة في النزاع، نظراً لأنه يشبه القاضي ويتطلب منه أن يكون عفيفاً وفطناً، وهذا ما نصت عليه المادة الثانية من نظام غرفة التجارة الدولية ونظام (اليونسترال)، فضلاً عن أن المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية منه قد نصت على عدم جواز أن يكون محكماً من كانت له مصلحة في النزاع وحُكم عليه بحد أو تعزير في جُرم مخلٍّ بالشرف أو صدر بحقه قرار تأديبي بالفصل من وظيفة عامة أو حكم بإشهار إفلاسه ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، إضافة إلى العديد من الشروط الأخرى.
وبناء على ما تقدم، فإن موضوع اختيار المُحكّم في حال ما وضع له الإطار الصحيح ــــ ولا بد أن يتم ذلك ــــ سيؤدي إلى نهضة كبيرة في مجال التحكيم مما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.

Sunday, July 3, 2011

التحكيم في العقود الإدارية .. المشكلة والحلول

د.خالد النويصر
تُعد العقود الإدارية من أهم العقود التي تبرمها الدولة لأنها تنصب على تنفيذ مشروعات كبرى ومهمة منها استثمار الثروات الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن وعقود إنشاء المطارات والبنية التحتية وعقود الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية ,BOTلذلك يجب توافر الشفافية الكاملة في الإعلان عن هذه المشاريع والتعاقد عليها وحل المشكلات الناتجة عنها بهدف حماية المال العام ودفع عجلة الاقتصاد الوطني بشكل ناجع وفاعل.
إن التحكيم يؤدي دوراً مهماً في حسم المنازعات الناتجة عن عقود التجارة الدولية والمحلية بشكل عام، وكذا منازعات العقود الإدارية بشكل خاص، حيث جعلت العديد من الدول العربية والأجنبية التحكيم الطريق الأمثل للفصل في هذه المنازعات نظراً لما يتميز به من مميزات عديدة مثل سرعة الفصل في القضايا وقلة التكاليف والسرية وغيرها، كما يُعد التحكيم إحدى الوسائل التي تساعد على تشجيع أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في المملكة، حيث يحبّذ المستثمر الأجنبي اللجوء إلى الفصل في النزاع الخاص به عن طريق التحكيم، لاعتقاده بانحياز القضاء الوطني لدولته، وأن التحكيم وسيلة محايدة.
ومن مطالعة نظام التحكيم السعودي الصادر بالأمر الملكي رقم م/46 وتاريخ 12/07/1403هـ، يتضح أنه لا يجيز لمؤسسات وهيئات الدولة اللجوء إلى التحكيم لفضِّ المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية إلا بعد الحصول على موافقة رئيس مجلس الوزراء، سواء حال النص على شرط التحكيم في العقد أو الاتفاق على حل النزاع بطريق التحكيم بعد حدوث النزاع، وبذلك تم إلغاء العمل بقرار مجلس الوزراء رقم 58 وتاريخ 17/01/1383هـ ليحل محله نظام التحكيم الحالي الذي نظم عملية التحكيم في العقود الإدارية، إذ نص في المادة الثالثة منه على أنه ''لا يجوز للجهات الحكومية اللجوء للتحكيم لفضّ منازعاتها مع الآخرين إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، ويجوز بقرار من مجلس الوزراء تعديل هذا الحكم".
وورد في المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية الخاصة بنظام التحكيم أنه ''في المنازعات التي تكون جهة حكومية طرفاً فيها مع آخرين ورأت اللجوء إلى التحكيم، يجب على هذه الجهة إعداد مذكرة بشأن التحكيم في النزاع مبيناً فيها موضوعه ومبررات التحكيم وأسماء الخصوم لرفعها لرئيس مجلس الوزراء للنظر في الموافقة على التحكيم ويجوز بقرار مسبق من رئيس مجلس الوزراء أن يرخص لهيئة حكومية في عقد معين بإنهاء المنازعات الناشئة عن طريق التحكيم، وفي جميع الحالات يتم إخطار مجلس الوزراء بالأحكام التي تصدر فيها''. وبذلك لا يجوز للهيئات الحكومية اللجوء إلى التحكيم للفصل في المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية، إلا بعد الحصول على موافقة مجلس الوزراء سواء الموافقة على شرط التحكيم أو اللجوء إلى التحكيم بعد نشوء النزاع ويكون اختصاص النظر في النزاع من صميم عمل ديوان المظالم.
ونظرا لأهمية العقود الإدارية وتعددها، بل تنوعها وكذلك كثرة التعاقدات التي تبرمها الدولة مع الشركات الأجنبية سواء أكانت محلية أم دولية، ولأهمية هذه العقود بالنظر إلى المشروعات التي يتم تنفيذها ورغبة الدولة في الاستفادة من الخبرات الدولية حال تنفيذ المشروعات الوطنية الكبرى أو ذات التقنية العالية، وما تتطلبه الشركات العالمية من حلِّ المنازعات عن طريق التحكيم وليس القضاء، فإنه من الضرورة إعادة النظر في أمر قصر الموافقة على التحكيم في العقود الإدارية على موافقة مجلس الوزراء بعدما تحققت أهمية الدور الكبير للتحكيم في الفصل في هذه المنازعات، ولا سيما بعد أن صار تنظيم هذا الأمر على قدرٍ كبير من المهنية بموجب أنظمة التحكيم وهيئاته ذات الشخصية المعنوية التي تختص بنظر المنازعات وبعد أن أضحت قرارات التحكيم مُلزمة للدول.
ويكمن الحل الأمثل لهذه المشكلة في تعديل نظام التحكيم الحالي ليتم النص على إجازة الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية عن طريق منح الجهات الحكومية حق اللجوء إلى التحكيم دون الحاجة إلى الحصول على أية موافقة قد تطيل أمد النزاع وتنفّر المستثمرين، وذلك عن طريق إدراج شرط التحكيم بالعقود الإدارية حال إعدادها وأن يُنص على أهم الأحكام التي تجب مراعاتها حال الفصل في النزاع بطريق التحكيم وأهمها القانون واجب التطبيق على النزاع الذي ستنظره هيئة التحكيم.
وإلى أن يتم تعديل نظام التحكيم وفقاً لما ذُكر، فإنه يمكن النص في أنظمة الجهات الحكومية حال تعديلها على أحقيتها في اللجوء إلى التحكيم، وذلك على النحو الذي تم النص عليه في نظام الاستثمار التعديني الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/47 وتاريخ 20/08/1425هـ، حيث ورد في مادته الثامنة والخمسين أنه ''يجوز الاتفاق على تسوية أي نزاع أو خلاف ينشأ بين مرخص له والوزارة عن طريق التحكيم وفقاً لأحكام نظام التحكيم...''، كما ورد هذا الاستثناء أيضاً مُضمناً في المادة الثالثة عشرة من نظام الكهرباء الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/56 وتاريخ 20/10/1426هـ، وبذلك يجوز تسوية النزاع في الحالتين السابقتين عن طريق التحكيم من دون الحصول على موافقة مجلس الوزراء.
كما يُعد أيضاً من الحلول المقترحة لهذه المشكلة إعمال حق مجلس الوزراء في أن يرخص لأي جهة إدارية في اللجوء إلى التحكيم، إذ أعطت المادة الثالثة من نظام التحكيم الحق لمجلس الوزراء في تعديل حكم هذه المادة، فللمجلس أن يعطي جهة أو بعض الجهات الإدارية الإذن باللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية مباشرة دون الحصول على الموافقة الأولية من رئيس مجلس الوزراء، ويتم هذا بموجب التصويت وفقاً لنظام مجلس الوزراء، وذلك على النحو الوارد في المادة الثالثة سابقة الذكر.
وبناءً على ذلك كله، ولدفع عجلة التنمية الاقتصادية بوتيرة متسارعة والبعد عن أية بيرقراطية قد تعوق حركة الاستثمار، فإنه لو تمت مثل هذه التعديلات لأصبح التحكيم خياراً مقبولاً ومفضلاً لدى كل من المستثمرين المحليين والأجانب، وأزال الكثير من المخاوف الناشئة عن إطالة أمد النزاع وإعادة الحقوق لأصحابها.