د.خالد
النويصر
KHALID@LFKAN.COM
تزايد الاهتمام العالمي في العقود الثلاثة
الماضية بالبيئة نظراً لما تواجهه من تهديد بأخطار التلوث البيئي بمختلف أشكاله
وصوره، فقد أدت أنشطة الإنسان الصناعية وطموحاته الاقتصادية إلى إحداث خلل في
التوازن البيئي، حيث تشير كل المعلومات والدراسات والتقارير والمشاهدات الحية إلى
الآثار السلبية التي تترتب على سوء التعامل مع البيئة، وإلى الخسائر الفادحة
والمخاطر الصحية التي تتعرض لها الدول بسبب تلويث البيئة بالأدخنة والغازات السامة
والروائح الكريهة واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً وغيرها.
ففي المملكة العربية السعودية، وهي التي تسير
بخطوات متسارعة نحو التنمية الاقتصادية المستدامة، تظهر الحاجة إلى الربط بين
البيئة والتنمية الاقتصادية لمعرفة المخاطر والأضرار البيئية الجديدة التي تنجم من
جرّاء التنمية ودخول معركة النمو والتصنيع، وبالتالي تحديد المسؤولية القانونية عن
الأضرار البيئية، لأن هنالك العديد من الجوانب التي تميزها عن غيرها من أنواع
المسؤولية الأخرى، ففي مجال حماية البيئة فإن القوانين والأنظمة الداخلية في
المملكة اعترفت للأشخاص بالحق في استثمار أموالهم وإنشاء الشركات والمصانع على
الوجه الذي يريدون ما دام أنهم يستعملون حقهم في الحدود المرسومة نظاماً وبشكلٍ
مشروع، فإذا تجاوزا الحدود المرسومة لاستعمال حقهم فأوقعوا ضرراً بالبيئة، فإن
عملهم عندئذٍ يخرج من دائرة الحق وينقلب عملاً غير مشروع يوجب المساءلة القانونية،
وهذا يعني أن استعمال الحق مقيد بواجب عدم تلويث البيئة بالأدخنة والغازات السامة
والروائح الخطيرة الضارة بالصحة.
وعلى المستوى الدولي، فقد اعترفت القوانين
والاتفاقيات الدولية بالعديد من الحقوق للدول في مجال استغلال مواردها الطبيعية
وممارسة سلطاتها واختصاصاتها، بيد أن ذلك ليس مطلقاً وإنما مقيداً بالحدود
المرسومة للحق ولا يجوز لها أن تتجاوزه، فإن هي خالفت ذلك خرجت عن دائرة الحق
وتحملت تبعات ذلك من حيث المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تلحق بالأشخاص
والممتلكات جرّاء التعدي الضار على البيئة، وهذا ما تم تأكيده في مؤتمر الأمم
المتحدة الثاني حول البيئة والتنمية الذي عقد في البرازيل سنة 1992، حيث نص المبدأ
الثاني منه على أن "تملك الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون
الدولي الحق السيادي في استغلال مواردها وفقاً لسياساتها البيئية والإنمائية وهي
مسؤولة عن ضمان ألا تسبب الأنشطة التي تدخل في نطاق ولايتها أو سيطرتها أضراراً
لبيئة دولة أخرى أو لمناطق واقعة خارج حدود ولايتها الوطنية "، وفي هذا
المجال نشير إلى المبدأ (21) من مجموعة مبادئ مؤتمر ستوكهولم لسنة 1972 الذي نص
على أن "على الدولة مسؤولية ضمان الأنشطة التي تتم داخل حدود ولايتها أو تحت
إشرافها لا تسبب ضرراً لبيئة الدول الأخرى أو للمناطق فيما وراء حدود ولايتها
الوطنية". كما جاء في اتفاقية الكويت حول البيئة البحرية للخليج العربي لسنة
1978 النص على أن تتعهد الدول الأطراف فيما بينها في صياغة وإقرار القواعد
والإجراءات المناسبة لتحديد المسؤولية المدنية والتعويض عن الأضرار الناجمة عن
تلويث البيئة البحرية مع مراعاة القواعد والإجراءات الدولية السارية والمتعلقة
بهذه الأمور.
ولذلك، فإن المسؤولية القانونية للأفراد أو
الدول عن الأضرار البيئية، ترتبط بالضرورة بالخطأ في التصرف الذي لا يشترط أن يكون
عمدياً، لأن المسؤولية يمكن أن تقوم بناءً على الخطأ بإهمال أو عدم تبصر، وفق هذه
الفلسفة فإن كل خطأ يسبب ضرراً للغير يلزم من وقع الضرر بخطئه بتعويضه، فقيام أي
شخص طبيعي أو اعتباري خاص أم عام بتلويث الماء أو الهواء أو التربة أو امتناعه عن
اتخاذ الإجراءات اللازمة أصولاً لمنع حدوث التلوث من النشاط الذي يقوم به يعرضه
لتحمل المسؤولية والتعويض عن الأضرار التي تقع. أما فيما يخص الجانب الجزائي من
المسؤولية القانونية فيهدف إلى حماية المجتمع ممن أخل بأمنه واستقراره بارتكابه عملاً
إجرامياً عرفه القانون ووضع له العقاب المناسب.
ومن المعلوم أن المسؤولية تنشأ عن إخلال بالتزام
قانوني سابق بعدم الإضرار بالبيئة، ويكون الإضرار غير المشروع مصدراً للمسؤولية في
حدود النصوص القانونية التي تحكمها، ولتقنين مبدأ المسؤولية عن الأضرار البيئية
لعبت المملكة العربية السعودية دوراً ريادياً في جميع الأعمال المتعلقة بحماية
البيئة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وشاركت بنشاط خاص في المؤتمرات والملتقيات
الدولية المتخصصة وانضمت إلى العديد من الاتفاقيات الخاصة بحماية البيئة ووضعت
العديد من الأنظمة والتعليمات المنظمة للنشاط المتعلق بالبيئة، ومنها النظام العام
للبيئة ولائحته التنفيذية لسنة 1422هـ، ويعود هذا الاهتمام الكبير بقضايا البيئة
إلى العناية الخاصة التي أولتها حكومة المملكة، ممثلةً بالرئاسة العامة للأرصاد
وحماية البيئة وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز
الذي يبذل جهوداً كبيرة وعلى الأصعدة كافة للنهوض بهذا القطاع الحيوي المهم.
ولعل من أهم أهداف النظام العام للبيئة ولائحته
التنفيذية تحقيق التوازن بين احتياجات البيئة ومتطلبات التنمية، ذلك أن حماية
البيئة والحفاظ عليها بل وتطويرها ينبغي ألا يشكل بالمقابل عائقاً رئيسياً لبرامج
التنمية الاقتصادية في المملكة، فالتخطيط البيئي يُعد جزءاً لا يتجزأ من التخطيط
الشامل للتنمية في جميع المجالات الصناعية والزراعية والعمرانية وغيرها، حيث ألزمت
معظم مواد النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية الجهات المسؤولة عن التخطيط
والتنمية الاقتصادية مراعاة التوازن بين اعتبارات البيئة وضرورات التخطيط
والتنمية، فقد نصت المادة (10) من النظام على أنه "يجب مراعاة الجوانب
البيئية في عملية التخطيط على مستوى المشروعات والبرامج والخطط التنموية للقطاعات
المختلفة والخطة العامة للتنمية" ونصت المادة (4/1) من اللائحة على أنه
"على كل جهة عامة اتخاذ الإجراءات التي تكفل تطبيق القواعد الواردة في هذا
النظام على مشروعاتها التي تخضع لإشرافها،....".
وفيما يخص الجزاءات المدنية والجنائية يلاحظ أن
المواد (17، 18) من النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية تُجرّم أعمال التعدي
على البيئة، بحيث قررت عقوبات تتراوح بين الغرامة والحبس مع الحكم بالتعويض
المناسب وإلزام المخالف بإزالة المخالفة، وقد تصل العقوبة إلى الحبس أكثر من خمس
سنوات والغرامة أكثر من خمسمائة ألف ريال أو بكليهما في حالة عودة المخالف لتكرار
ما قام به من تعدٍ على البيئة، ويخضع تحديد الاختصاص القضائي للجرائم البيئية
للمبادئ المتعارف عليها في القوانين الداخلية لكل دولة. وقد حُسمت هذه المسألة بنص
المادة (20) من النظام العام للبيئة التي أعطت الاختصاص في النظر بقضايا البيئة
لديوان المظالم، حيث ورد فيها أنه "يختص ديوان المظالم بتوقيع العقوبات
المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة الثامنة عشرة بحق المخالفين لأحكام المادة
الرابعة عشرة من هذا النظام".
ويتبين باستقراء قواعد النظام العام للبيئة
ولائحته التنفيذية أنها ذات طابع فني في صياغتها تقوم على المزاوجة بين القواعد
القانونية والحقائق العلمية البحتة المتعلقة بالبيئة، هذا إضافة إلى طابعها
الدولي، ذلك أن أغلب الممارسات الضارة بالبيئة تمتد آثارها عبر حدود الدول
وتتجاوزها بسبب أن من يمارس النشاط قد يكون هو الدولة في بعض الأحيان.
ويمكن القول إن النصوص القانونية المتعلقة
بالبيئة في المملكة على درجة عالية من الإحكام والإتقان في الصياغة، إلا أنها ما
زالت قليلة بسبب حداثة المشكلات البيئية المثارة وتشعب الأضرار الخاصة بالبيئة،
لذلك يُقترح عمل مراجعة مستمرة لجميع القواعد القانونية المتعلقة بحماية البيئة
بحيث تكون مواكبةٌ لما تواجهه البيئة بصورة مستمرة من أخطار التلوث البيئي. كما
يُقترح إدخال التربية البيئية في المناهج التعليمية لجميع المراحل الدراسية
والاعتراف في الوقت ذاته بأحقية كل شخص في المملكة برفع الدعوى لدى الجهات المختصة
بأي مشكلة بيئية حتى ولو لم يكن متضرراً بصورة شخصية منها، وهو ما يُعرف بالدعوى
الشعبية التي من شأنها في الحقيقة أن تحمل كل شخص في الدولة سواء أكان مواطناً أم
مقيماً مسؤولية الدفاع عن البيئة وحمايتها من الاعتداء عليها بمختلف الطرق
والوسائل القانونية.