د.خالد
النويصر
khalid@lfkan.com
الاتفاق على التحكيم يُعد أهم خطواته، بل إنه
يُعد أولى خطوات العملية التحكيمية، وقد أجازه نظام التحكيم السعودي الصادر
بالمرسوم الملكي رقم م/46 وتاريخ 12/07/1403هـ في مادته الأولى، حيث حدد النظام
طريقتين للاتفاق على التحكيم، الأولى قبل نشوء النزاع، ويكون ذلك من خلال تضمين
العقد الأساسي المبرم بين الأطراف حل النزاع الذي ينشأ بينهم عن طريق التحكيم، وهو
ما اصطلح على تسميته شرط التحكيم، أما الطريقة الأخرى فتكون بعد نشوء النزاع، وفي
هذه الحالة يتم اتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم لحل النزاع وتُسمى هذه
الطريقة وثيقة التحكيم أو عقد التحكيم أو مشارطة التحكيم.
ونظراً لأهمية هذا الأمر، فقد تطلب نظام التحكيم
في مادته الخامسة النص على البيانات التي يجب أن تحتوي عليها وثيقة التحكيم، منها
موضوع النزاع وأسماء المحكمين وتوقيعاتهم وقبولهم مهمة النظر في النزاع والفصل فيه
وبيانات الخصوم وتوقيعاتهم ووكلائهم الرسميين، حيث نص على أنه ''يودع أطراف النزاع
وثيقة التحكيم لدى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع، ويجب أن تكون هذه الوثيقة
موقعة من الخصوم أو من وكلائهم الرسميين المفوضين ومن المحكمين، وأن يُبين بها
موضوع النزاع وأسماء الخصوم وأسماء المحكمين وقبولهم نظر النزاع وأن تُرفق بها صور
من المستندات الخاصة بالنزاع ''. وحال خلو الوثيقة من بعض هذه البيانات، فإنها
تكون ناقصة، مما يوجب إكمالها على النحو المنصوص عليه في هذه المادة والمادة
السادسة من لائحة نظام التحكيم الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 7/2021 وتاريخ
8/9/1405هـ.
ويُعد اتفاق التحكيم المبرم بين الأطراف سواء
كان شرطاً أو وثيقة عقد رضائي كسائر العقود له خصائصه ومميزاته ويتضمن حقوقاً
والتزامات بين طرفيه ويخضع لقواعد المشروعية وعيوب الإرادة، فقد يكون صحيحاً كما
قد يكون باطلاً أو قابلاً للبطلان، لأنه عقد من العقود الرضائية المسماة والملزمة
للجانبين، فإذا تم بالشكل الصحيح وتوافر فيه الرضا والمحل والسبب والأهلية، فإنه
لا يجوز لأي من طرفيه الرجوع فيه أو فسخه أو تعديله إلاّ بموافقة الطرف الآخر ومن
ثم ينأى عن البطلان، أما إذا خالف ذلك جاز لأي من طرفيه أو الغير الدفع ببطلانه.
ورغم كل ما تقدم إلا أن الواقع العملي يؤكد وجود
العديد من الأسباب التي تؤدي إلى بطلان اتفاق التحكيم في بعض الحالات، ومن هذه
الأسباب البطلان الذي يلحق بشكل وثيقة التحكيم أو شرطه أو استحالة تنفيذه، كما إذا
ورد شرط التحكيم مقرراً لأمر محرم شرعا، مثل الفوائد الربوية أو أمر آخر يتعلق
بالنظام العام، وهناك العديد من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى البطلان، فالعقد
الباطل أو الفاسد لا يكتسب حجية ويجوز الطعن فيه بالبطلان، كما يجوز للجهة المختصة
أن تقضي به ولو من تلقاء نفسها وفي أي حالة تكون عليها الدعوى، كما لا يتقادم
الدفع ببطلان اتفاق التحكيم.
ورغم وضوح هذه الأحكام فإن الاختلاف ينشأ بشأن
بطلان شرط التحكيم وأثره في العقد الأساسي، وكذلك بطلان العقد الأساسي وأثره في
شرط التحكيم، ويمكن القول إن نظام التحكيم السعودي قد خلا من بيان حكم هذه المسألة
حال بطلان أي منهما وأثره في الآخر، ويتضح من ذلك أن بطلان العقد الأساسي الذي ورد
به شرط التحكيم يؤدي إلى بطلان شرط التحكيم طبقاً للقواعد العامة في العقود، أما
بطلان الشرط التحكيمي الوارد في العقد الأساسي فلا يؤدي إلى بطلانه طبقاً لقاعدة
استقلال الشرط التحكيمي عن العقد الأساسي.
إلا أنه توجد حالات يترتب عليها ذات الأثر
المترتب على بطلان شرط التحكيم، وهي حالات انقضاء شرط التحكيم، ومنها صدور حكم
المحكم ومصادقة الجهة المختصة عليه، وتُعد هذه الحالة من النتائج الطبيعية لانتهاء
وانقضاء اتفاق التحكيم وذلك بتحقيق الغاية المرجوة منه وهو الفصل في النزاع بحكم
نهائي تتم المصادقة عليه وتنفيذه من الجهة المختصة، كما يُعد ذلك إنهاء لالتزامات
المحكمين التي التزموا بها بموجب وثيقة التحكيم، كما ينقضي اتفاق التحكيم باتفاق
الخصوم على التنازل عن شرط أو وثيقة التحكيم سواء كان ذلك قبل نشوء النزاع أو بعده
أو حتى أثناء نظر جلسات التحكيم وقبل صدور حكم من هيئة التحكيم في النزاع، وقد
يكون هذا التنازل صريحاً أو ضمنياً ومثاله لجوء أحد الخصوم إلى طرح النزاع بدعوى
أمام القضاء وحضور الطرف الآخر في الدعوى وإبداء دفوعه ودفاعه فيها دون التمسك
بشرط التحكيم.
ومن الحالات - أيضاً التي ينقضي بها اتفاق
التحكيم، قيام أطراف النزاع بعرض موضوع أو مسألة معينة مرتبطة بالتحكيم على
القضاء، وفي هذه الحالة يكون للقضاء - نظراً للارتباط بين الموضوعين ووحدة الخصوم
- بحث الموضوعين معاً وإصدار حكم فيهما، حيث إن للقضاء الولاية العامة في الفصل في
جميع المنازعات.
ولا يخفى أيضاً أن اتفاق التحكيم ينقضي بعدم
صدور حكم التحكيم في النزاع المعروض عليه في المدة المحددة في وثيقة التحكيم، وأنه
طبقاً للمادة التاسعة من نظام التحكيم لمن يشاء من الخصوم أن يتقدم إلى الجهة
المختصة أصلاً بنظر النزاع لتصدر قرارها حال التأخر في صدور حكم التحكيم عن المدة
المحددة له، وفي هذه الحالة على القاضي التأكد من الأسباب التي أدت إلى تأخير البت
في النزاع التحكيمي، وله النظر في الموضوع أو مد الميعاد لفترة أخرى على النحو
المنصوص عليه في المادة التاسعة من نظام التحكيم.
ويجب أن يكون واضحاً أن اتفاق التحكيم لا ينقضي
بوفاة أحد الخصوم أو نقصان أهليته أو وفاة أحد المحكمين وإنما يجوز مد الميعاد
المحدد لصدور الحكم، وذلك طبقاً للمادة 13 من نظام التحكيم.
ونظراً لأهمية الأسباب التي قد تؤدي إلى بطلان
اتفاق التحكيم أو انقضائه، فإنه يجب النص في نظام التحكيم على مثل هذه الحالات
بالنظر إلى عظم الأثر الذي يترتب على هذه الأسباب وهو بطلان أو انقضاء اتفاق
التحكيم، حتى تكون هذه الحالات واضحة لكل المتعاملين بنظام التحكيم سواء كانوا
خصوماً أو محكمين أو قضاة، كما أن تحديد الحالات والنص عليها سينهي كل حالات
اختلاق أسباب أو حالات بطلان أو انقضاء اتفاق التحكيم التي تُطرح من جانب أحد
الأطراف أو من الغير حتى لا يترتب على ذلك تأخير الفصل في النزاع، ما يؤدي إلى
إهدار حقوق الناس وفقد الثقة بفاعلية وسرعة العدالة.