د.خالد
النويصر
KHALID@LFKAN.COM
تشكل جريمة غسل الأموال معضلةً عالمية وتحدياً
فعلياً أمام كل مؤسسات المال والأعمال لأنها صورة من صور الجريمة المنظمة. وقد
اتسع نطاق هذه الجريمة في السنوات الأخيرة نظراً لما يشهده عصرنا الحالي من تطور
سريع في مجال تكنولوجيا المعلومات والدخول في عصر العولمة دون أي حواجز اقتصادية،
كما أن جريمة غسل الأموال هي جريمة لاحقة لأنشطة إجرامية متعددة وتترتب عليها
مخاطر وأضرار اقتصادية واجتماعية وسياسية وجنائية بالغة بالمجتمع، وقد دلت الأبحاث
والدراسات المتخصصة على أن من أخطر صور الإجرام المنظم جريمة غسل الأموال والاتجار
غير المشروع في المخدرات والسلاح وجرائم الإرهاب.
لهذا، فإن جريمة غسل الأموال ترتكبها جماعات
إجرامية منظمة ومتخصصة وترتبط إلى حدٍ كبير بأنشطة غير مشروعة تُنفذ خارج نطاق
القوانين والأنظمة المناهضة للممارسات الضارة بأمن المجتمع واستقراره، كما أنها
تهدف إلى إضفاء الشرعية على أموال هي في حقيقتها ذات مصدر غير مشروع.
وقد أخذت جريمة غسل الأموال بعد أحداث 11 أيلول
(سبتمبر) 2001م اهتماما كبيراً على الصعيدين المحلي والدولي، كما عُقدت بخصوصها
العديد من الاتفاقيات والمؤتمرات التي كان من أهمها:
1.اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات
والمؤثرات العقلية عام 1988م والمعروفة باسم اتفاقية فيينا، وقد تضمنت هذه
الاتفاقية سياسة جنائية واضحة بخصوص مكافحة ظاهرة غسل الأموال.
2.مؤتمر عمّان سنة 1994م، وقد شاركت فيه السعودية وعدد كبير من دول
العالم، حيث اهتم بالبحث في موضوع غسل الأموال الناجمة عن الجرائم بشكل عام وتسخير
جميع إمكانيات التعاون الدولي من أجل مكافحة غسل الأموال وما يرتبط بها من أنشطة
غير مشروعة.
3.قرار مجلس الأمن رقم (1373) الصادر في 28/09/2001م بعد أحداث 11
أيلول (سبتمبر) 2001م، وقد تضمن دعوة جميع دول العالم إلى تجميد الأموال أو أي
أصول أخرى تعود لأشخاص أو هيئات معينة قاموا بارتكاب أعمال تتسم بالعنف والإرهاب.
والواقع أن معظم الدول العربية ومن بينها
المملكة قد أصدرت قوانين خاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال، فقد صدر بالمرسوم
الملكي الكريم رقم م/39 وتاريخ 25/6/1424هـ نظام مكافحة غسل الأموال السعودي
ولائحته التنفيذية الذي جاء في (29) مادة، حيث تضمن النظام أسسا ومقومات وتدابير
كاملة لمكافحة غسل الأموال، ومن أبرزها إنشاء وحدة للتحريات المالية لمكافحة
عمليات غسل الأموال وإلزام المؤسسات المصرفية والمالية بالتحقق من هوية العملاء
وعناوينهم قبل فتح حساب لهم، فضلاً عن الاحتفاظ بسجلاتهم ومستنداتهم لمدة لا تقل
عن عشر سنوات. وقد سبق هذا النظام صدور المرسوم الملكي رقم 19بتاريخ 15/01/1410هـ بالتصديق
على اتفاقية فيينا عام 1988م، كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 15 بتاريخ
18/01/1420هـ بالموافقة على تطبيق التوصيات الـ 40 لمكافحة عمليات غسل الأموال
الصادرة عن لجنة العمل المالي ,FATFإلى جانب صدور قرار مجلس الوزراء رقم 287 بتاريخ 14/11/1422هـ
بإنشاء لجنة دائمة لمكافحة غسل الأموال برئاسة معالي محافظ مؤسسة النقد العربي
السعودي، حيث قامت المؤسسة في عام 1995م بإصدار دليل إرشادي لجميع البنوك السعودية
لمنع ومكافحة عمليات غسل الأموال، فيما أصدرت وزارة التجارة والصناعة وفقاً لقرار
مجلس الوزراء رقم 15 التعميم رقم 1312 وتاريخ 05/08/2001م الخاص بمكافحة عمليات
غسل الأموال في المجالات التجارية والصناعية والقطاعات المهنية والمحاسبية
والقانونية والاستشارية.
والملاحظ أن مكافحة جريمة غسل الأموال قد احتلت
في الآونة الأخيرة مركز الصدارة في الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية والإقليمية
والقوانين والأنظمة الخاصة بكل دولة على حدة، وعلى الرغم من ذلك كله، فلا تزال
مكافحة جريمة غسل الأموال تواجه العديد من العقبات التي من شأنها أن تحول دون
القضاء عليها بشكلٍ نهائي، حيث تُعد السرية المصرفية من أكثر العقبات التي تقف
عائقاً أمام مكافحة عمليات غسل الأموال، لأنها تشكل مانعاً من الاطلاع على
الحسابات والودائع المصرفية، وملجأ للأموال المشبوهة، فمن المعلوم أن علاقة البنك
مع عملائه تقوم على الثقة التي يكون عمادها كتمان البنك لأسرار عملائه المالية
وعدم إفشائها لأن هذا يعرض البنك للجزاءات المدنية والجنائية باعتبار أن حفظ السر
المصرفي يُعدُ جزءاً من الحرية الشخصية التي كفلتها القوانين والأنظمة الجنائية.
ومن العقبات الأخرى التي تعترض سبل مكافحة عملية
غسل الأموال:ـ
1ـ ضعف أجهزة الرقابة للتجارة الدولية، فقد نصت المادة 12/9 من
اتفاقية فيينا عام 1988على ضرورة إنشاء نظام لمراقبة التجارة الدولية تسهيلاً لكشف
الصفقات المشبوهة وتطبيقاً لنص هذه المادة قامت الدول المهتمة بمكافحة عمليات غسل
الأموال بإنشاء أجهزة متخصصة لذلك، إلا أن هذه الأجهزة ما زالت تعاني بعض النقص
الذي يحد من نشاطها وفعاليتها، خاصة فيما يتعلق بتنوع الأنظمة والقوانين المطبقة
على مستوى جميع دول العالم، وكذلك ضعف التعاون الدولي في مجال مكافحة عمليات غسل
الأموال.
2ـ عدم وجود أنظمة معلوماتية متطورة لدى العديد من الدول تسمح
بمراقبة التحركات المالية ومعرفة مشروعية مصدرها وأوجه استثمارها.
3ـ عدم التزام البنوك بالمراقبة والتحقق من العمليات المصرفية
المختلفة، وهذا ما أكدته بعض الدراسات المهتمة بموضوع مكافحة غسل الأموال.
4ـ عدم وجود برامج تدريبية متطورة للعاملين في القطاع المالي
والمصرفي تقوم على توعيتهم بمعرفة تقنية مكافحة غسل الأموال، حيث ما زالت بعض
البنوك والمؤسسات المالية في بعض دول العالم تعاني نقصاً كبيراً في الخبرات لدى
موظفيها.
5ـ اختلاف القوانين بين الدول، فما يُعد جريمة في قانون دولة ما لا
يشكل جريمة في قانون دولة أخرى
6ـ اختراق أجهزة الحاسوب للمصارف والمؤسسات المالية، فمن المعلوم
أن جرائم غسل الأموال إلكترونياً تتم من خلال إجراء عمليات معقدة من التحويلات
النقدية الإلكترونية من حساب إلى آخر، وذلك لإضفاء الشرعية على هذه الأموال.
وعلى ضوء ما تقدم توجد العديد من الاقتراحات
يمكن إبراز أهمها على النحو التالي: ـ
1ـ إلغاء ترخيص وشطب كل بنك أو مؤسسة مالية ثبت تورطها في القيام
بعمليات غسل الأموال وتقديم المسؤولين عن إدارة البنك إلى المحكمة الجنائية
المختصة بتهمة الإضرار باقتصاد ومصالح العليا للدولة.
2ـ
إعادة تأهيل العاملين والموظفين في البنوك وعقد الدورات التدريبية والمتخصصة لهم
وإطلاعهم على الأساليب الحديثة وأدوات التكنولوجيا المختلفة التي تمكنهم من الكشف
مبكراً عن أي محاولة لغسل الأموال والإبلاغ عنها.
3ـ إنشاء وكالة مركزية متطورة للرقابة على التحويلات المالية
الدولية المختلفة وتحديداً التحويلات ذات الصلة بالأنشطة غير المشروعة أو التي
تثير الشبهات.
4ـ كشف عمليات مرتكبي جريمة غسل الأموال وتعريف الناس بالأبعاد
المترتبة عليها من خلال نشرها وبثها في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة
والمقروءة.
وتفادياً للمخاطر الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية المترتبة على جريمة غسل الأموال وآثارها السلبية، فإن هذا يستدعي التعاون
والتنسيق بين جميع دول العالم بغرض مكافحة عمليات غسل الأموال ووضع آليات مثلى
للقضاء عليها في الوقت المناسب.
No comments:
Post a Comment