د.خالد
النويصر
khalid@lfkan.com
لقد أثبت التحكيم التجاري أهميته على الأصعدة
الإقليمية والدولية كافة حتى أصبح واقعا لا تخلو دولةٌ من دول العالم من النص عليه
في قوانينها، كما أُنشئت له الهيئات والمراكز المحلية والإقليمية والدولية المعنية
به وأُعدت له المنتديات والملتقيات الكثيرة المتعددة التي تبحث في آخر مستجداته
وتطوراته، وذلك وفقا لطبيعة القضايا التي ينظرها ومجمل الأحكام الصادرة بشأنها.
ومن الأمور المهمة في هذا الجانب موضوع حجية
أحكام التحكيم؛ إذ يُفترض أن تقوم هيئة التحكيم بحسم المنازعة المطروحة عليها بين
الأطراف بمقتضى السلطة التي يمنحها لها اتفاق التحكيم. ونظرا لأن الطبيعة المركبة
للتحكيم في كونه اتفاقي النشأة وقضائي الوظيفة، فإنها تؤثر تأثيرا كبيرا في احترام
حجية أحكام هيئة التحكيم، كما أنّ افتقار أعضاء هيئات التحكيم الذين هم أفراد
عاديون لسلطة الأمر والنفاذ للأحكام الصادرة عنهم لا يمنح أحكامهم طابع التنفيذ
الجبري، الأمر الذي يستلزم تدخل الدولة لإصدار أمر تنفيذ الأحكام الصادرة عن هيئات
التحكيم.
إن احترام أحكام التحكيم المحلية الصادرة عن
هيئات التحكيم يرتبط تنفيذها بطريقتين، إحداهما إجبارية والأخرى اختيارية إذا اتفق
المحتكمون على ذلك بعد صدور الحكم الذي يُعد الطريق الأكثر توافقا مع طبيعة
التحكيم. أما التنفيذ الجبري لأحكام التحكيم فيقتضي خلو الحكم من العيوب وتحقق
الشروط، ثم صدور التنفيذ من الجهة القضائية المختصة، والثابت فقها أن أحكام
التحكيم ليست لها حجية الشيء المقضي إلا فيما يتعلق بالمنازعة التي حسمها حكم
التحكيم وحيازة الحكم لهذه الحجية تصبغ الحكم بصبغة القيمة أو المشروعية وعدم
إمكان المنازعة فيه إلا عن طريق الطعن المناسب، كما أن تلك الحجية تشكل دافعا بعدم
القبول إذا تمت إثارة النزاع مرة أخرى بإجراءات جديدة.
وطبقا لنص المادة (7) من اللائحة التنفيذية
لنظام التحكيم السعودي الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم7/2021/م في 8/9/1405هـ، فإن
الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع هي ذاتها التي تختص بتنفيذ حكم التنفيذ مثل
المحاكم الإدارية (ديوان المظالم) طبقا للمادة (16) من نظام المرافعات أمامه، أما
إذا كانت المنازعة تقع في دائرة اختصاص القضاء العادي، فإن المحكمة العامة هي
المختصة بتنفيذ حكم التحكيم. وفي حال تعلق الأمر بتنفيذ حكم تحكيم أجنبي، فإن
المحاكم الإدارية هي الجهة المختصة بتنفيذه طبقا لقرار مجلس الوزراء رقم (251) وتاريخ
28/12/1379هـ - ووفقا لنص المادة (7) من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم.
واستنادا إلى نص المادة (18) من نظام التحكيم
الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 في 12/07/1403هـ، والتي نصت على أن جميع الأحكام
الصادرة من المحكمين ولو كانت صادرة بإجراء من إجراءات التحقيق، فإنه يجب إيداعها
خلال خمسة أيام لدى الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع وإبلاغ الخصوم بصورة منها،
ويجوز لأولئك الخصوم تقديم اعتراضاتهم خلال 15 يوما من تاريخ إبلاغهم بأحكام
المحكمين. كذلك فقد نصت المادة (19) من النظام المذكور على أنه "إذا قدَّم الخصوم
أو أحدهم اعتراضا على حكم المحكمين خلال المدة المنصوص عليها في المادة السابقة،
تنظر الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع الاعتراض وتقرر إما رفضه وتصدر الأمر بتنفيذ
الحكم أو قبول الاعتراض وتفصل فيه"، أما المادة (20) فقد نصت على أن
"يكون حكمُ المحكمين واجبَ التنفيذ عندما يصبح نهائيا، وذلك بأمر الجهة
المختصة بنظر النزاع...". وبعد وضع الصيغة التنفيذية يُعد حكم التحكيم كأنه
صادر من الجهة المختصة كما نصت على ذلك المادة (21) من نظام التحكيم بأنه
"يُعتبر الحكم الصادر من المحكمين بعد إصدار الأمر بتنفيذه حسب المادة
السابعة من قوة الحكم الصادر من الجهة التي أصدرت الأمر بالتنفيذ". وبناءً
على ذلك يبدأ الخصم الذي صدر الحكم لصالحه في تنفيذه على النحو الوارد في المادة
(44) من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم التي ورد نصها بأنه "متى صدر الأمر
بتنفيذ التحكيم أصبح سندا تنفيذيا... أن تُسلم المحكوم له الصورة التنفيذية لقرار
التحكيم موضحا بها الأمر بالتنفيذ".
وتأسيسا على كل ما تقدم من مواد، يتضح أن حكم
التحكيم يصبح نهائيا بمضي مدة الاعتراض عليه، وهي 15 يوما من تاريخ إبلاغ الخصوم،
أما إذا تم الاعتراض عليه فلا يصير نهائيا إلا إذا تم تأييده من الجهة المختصة.
يجدر ذكره أن هنالك جدلا قانونيا يُثار كثيرا حول طبيعة وأثر الأمر بالتنفيذ الذي
يصدر من القاضي المختص على حكم التحكيم؛ إذ إنه من الطبيعي أن الأمر بالتنفيذ هو
دليل على قابلية الحكم للتنفيذ الفوري ومن ثم وجب تذييل جميع أحكام التحكيم
بالصيغة التنفيذية حال تنفيذها بالطرق الرسمية؛ إذ إنه معلوم أنه لا يقصد من ورقة
الأمر بالتنفيذ أن يتحقق القاضي من عدالة المُحكم كما لا يقتصر الأمر بتنفيذ حكم
التحكيم منح الورقة الصفة الرسمية فقط، وإنما تستمد مراقبة القضاة لأعمال المحكمين
من أن اتفاق الخصوم على التحكيم قد تضمن مراعاة النصوص والأحكام التي يرونها
لازمة، إضافة إلى مراعاة المحكمين والتزامهم بالأحكام والمبادئ النظامية المنصوص
عليها في الدولة ذاتها، حيث يجب تأكد القضاة من أن المحكمين قد راعوا هذه القواعد
سواء أكانت باتفاق الخصوم أو ما نص عليها النظام. وفي حال رأى القاضي عدم مراعاة
المحكمين لهذه الأحكام، فإنه يمتنع عن إصدار الأمر بالتنفيذ، وبذلك فلا حجية لحكم
التحكيم إذا لم يراع النظام العام أو أنه لم يتقيد بالقواعد العامة التي تجب
مراعاتها في نظام التحكيم.
إنه من الأهمية معرفة أن إطلاق حق الأطراف في
الطعن على حكم التحكيم، وعدم حصر الحالات التي تجيز الطعن فيه، سوف يؤدي إلى النيل
من قاعدة حجية أحكام التحكيم ويعطّل تنفيذها. كما أنه متى تم النيل من هذه الحجية،
فإن ذلك سوف يؤدي إلى نتيجة عكسية على نظام التحكيم برمته، حيث يغدو اللجوء إليه
مضيعة للوقت؛ لأن المحكمة المختصة والمخولة بنظر النزاع والاعتراض على حكم التحكيم
سوف تنظر في جميع الأحوال موضوع الدعوى كاملا؛ مما يؤدي أيضا إلى إطالة أمد النزاع
وما يستتبعه ذلك من أضرار، أهمها أن العدالة البطيئة أدعى إلى ضياع الحق،الأمر
الذي يتطلب أن تحوز أحكام التحكيم على قاعدة قوة الأمر المقضي وهي ذات الحجية
المقررة للأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم بما يسمح بتنفيذها وفقا للقواعد
النظامية المنصوص عليها وبالقوة الجبرية إذا لزم الأمر.
لذلك فإنه قد يكون من الأفضل أن تُحدد الحالات
التي يجوز للمحاكم مراقبتها أو الاعتراض على أساسها على حكم التحكيم، التي منها
على سبيل المثال لا الحصر مخالفة حكم التحكيم لأحكام الشريعة الإسلامية وبطلان
الإجراءات، وذلك على النحو الموضح في بعض أنظمة التحكيم العربية؛ وذلك ليؤدي
التحكيم الغاية المرجوة منه ويخدم أهداف ومصالح أطرافه بما ينعكس على دفع عجلة اقتصاد
الوطن لخير مواطنيه كافة.
No comments:
Post a Comment