د.خالد
النويصر
khalid@lfkan.com
تشير المعطيات الاقتصادية إلى أن المملكة مقبلة
على طفرة عقارية كبيرة ومهمة في إطار المناخ الاستثماري العام الجاذب للمستثمرين
والشركات الإقليمية والدولية، وبفضل تلك الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية وغيرها
أصبح العقار بالفعل صناعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
لقد قدّر الخبراء حجم الاستثمارات في السوق
العقارية السعودية بنحو 1200 مليار ريال، وتشير التوقعات إلى أن حجم الأموال
المستثمرة في هذا القطاع في تصاعد مستمر، كما أن كل المؤشرات على صعيد الاستثمار في
المجال العقاري تشير إلى النجاح وفق الخطط التي تضطلع بها الدولة من أجل تطوير مدن
المملكة، إلى جانب التوسع في مجالات وأساليب الاستثمار العقاري وتوافر رؤوس
الأموال اللازمة للاستثمار في هذا الجانب الاقتصادي المهم.
إن القطاع العقاري في المملكة يشكل أهم دعائم الاقتصاد
السعودي ويحتل المرتبة الثانية في اقتصاد المملكة بعد قطاع البترول، إذ تقدر نسبة
مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 55 مليار ريال، ويشير الخبراء في هذا
الجانب إلى توقع نمو هذا القطاع بشكل كبير في الفترة القادمة، خاصة بعد قيام وزارة
خاصة بالإسكان إلى جانب ترقب إجازة نظام الرهن العقاري الذي من الممكن أن يحقق
ازدهاراً في السوق العقارية نظراً لأن هناك مشاريع إسكانية كبيرة سيتم تنفيذها،
كما ينتظر أن يسهم القطاع العقاري في توفير مزيد من فرص العمل للشباب السعودي، حيث
تمثل العمالة في هذا القطاع نسبة مقدرة من إجمالي العمالة السعودية إذ تبلغ نحو 15
في المائة من إجمالي العمالة في المملكة.
كما يعزو الاقتصاديون انتعاش السوق العقارية في
المملكة إلى عوامل عدة، أهمها ارتفاع أسعار النفط وارتفاع نسب النمو الاقتصادي في
المملكة وتزايد حجم السيولة والزيادة السكانية المطردة التي تؤدي إلى زيادة الطلب
على الوحدات العقارية، وقلة المخاطر الناجمة عن عملية الاستثمار في هذا القطاع
بالنظر إلى القطاعات الأخرى، إلى جانب إنشاء وزارة للإسكان ومن قبلها الهيئة
العليا للإسكان والتنمية العقارية بهدف تطوير وتنمية هذا القطاع الاقتصادي المهم،
فضلاً عن مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــــــ حفظه
الله ـــــ الذي يرمي إلى بناء 500 ألف وحدة سكنية تحت إشراف وزارة الإسكان،
واتجاه شركة التطوير العقاري في المملكة لإعلان مزيد من المشاريع العقارية خلال
الفترة القادمة، وتيسير سبل الحصول على القروض العقارية وغيرها.
وتشير كل التوقعات إلى أن تحقق المرحلة القادمة
تطوراً كبيراً في هذا القطاع، حيث يؤمل أن يضحى أهم القطاعات الجاذبة للمستثمرين
نظراً لعوامل عدة، أهمها ــــــ على سبيل المثال لا الحصر:
- النجاحات الكبيرة التي ظلت تحققها عملية الاستثمار في هذا الجانب
في الدول الخليجية ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة.
- العناية التي
توليها خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية بهذا القطاع، إلى جانب زيادة المخصصات
المالية له في الموازنة العامة للدولة.
- طرح الكثير من الشركات العقارية لمشاريع إسكان جديدة خارج مناطق
المدن الكبيرة وغيرها من العوامل الكثيرة الأخرى.
إن هناك تعدداً ملحوظاً للفرص الاستثمارية
العقارية في كل مدن المملكة، إلا أن المدينتين المقدستين (مكة المكرمة والمدينة
المنورة) حازتا النصيب الأكبر لهذه الفرص الاستثمارية نظراً لوجود العامل الديني
السياحي لهما ولكثرة زوارهما من المسلمين، الأمر الذي أعطى ميزة أخرى لهما لا
تضاهيهما في ذلك أي من المدن الأخرى في المملكة، رغم أن المأمول أن يُفعل نظام
تملك غير السعوديين للعقار واستثماره الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/15 بتاريخ
17/4/1421 هــــ، الذي منح المستثمر الأجنبي حق الاستثمار والتملك في هذا الجانب،
حيث تشير المادة الأولى (أ) منه على أنه (يجوز للمستثمر غير السعودي من الأشخاص
ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية المرخص له بمزاولة أي نشاط مهني أو حرفي أو
اقتصادي تملك العقار اللازم لمزاولة ذلك النشاط، ويشمل العقار اللازم لسكنه وسكن
العاملين لديه، وذلك بعد موافقة الجهة التي أصدرت الترخيص، كما يجوز استئجار
العقار المشار إليه مع مراعاة ما ورد في المادة الخامسة من هذا النظام)، ب ـ ''إذا
كان الترخيص المشار إليه يشمل شراء مبانٍ أو أراض لإقامة مبان عليها واستثمارها
بالبيع أو التأجير فيجب ألا تقل التكلفة الإجمالية للمشروع عن ثلاثين مليون ريال
ويجوز لمجلس الوزراء تعديل هذا المبلغ ...''، كما نصت المادة الثانية من النظام
ذاته على أنه ''يسمح للأشخاص غير السعوديين ذوي الصفة الطبيعية المقيمين في
المملكة إقامة نظامية بتملك العقار لسكنهم الخاص، وذلك بعد الترخيص لهم من وزارة
الداخلية".
ومع التميز الكبير للسوق العقارية السعودية
نظراً لوفرة العرض وتوافر رؤوس الأموال واتساع مساحة المملكة التي تضم أماكن
سياحية وصناعية وزراعية ممتازة، إلا أن السوق العقارية فيها تحتاج إلى مزيد من
الاهتمام وإزالة بعض التحديات ووضع الآليات الكفيلة بانطلاق هذه السوق لتحقيق طفرة
واسعة في هذا المجال، ومن أهم تلك الآليات والحلول:
أولا: إيجاد آلية لترخيص المساهمات وكيفية
متابعتها والرقابة عليها والحد من البيروقراطية بكل أشكالها وأنواعها.
ثانياً: تصحيح مسار الأسهم العقارية وطريقة
تداولها من قبل الجهات الرسمية المختصة بهذا الشأن عن طريق زيادة الشفافية وتطبيق
مبادئ الحوكمة في الشركات العقارية.
ثالثاً: توفير الحماية لكل المستثمرين في هذا
الصعيد بمختلف مستوياتهم من حيث حماية حقوقهم وإيجاد مرجعية تفض مشكلاتهم وتعالج
قضاياهم، وذلك ليتحقق الاستثمار الآمن في هذا الجانب الاقتصادي المهم وتوحيد
المرجعيات الرسمية وتوفير التخطيط السليم في مجال الاستثمارات العقارية، وإنه
لعمري أن تعدد المرجعيات هو العائق للاستثمار في كل دول العالم.
رابعاً: تطوير البيئة التنظيمية والقانونية على
هذا الصعيد، ووضع التشريعات المرنة التي تواكب العصر وتساعد باحث السكن الصغير قبل
المستثمر على تحقيق غايته.
خامساً: وضع آليات جديدة للتمويل والاستثمار في
هذا الجانب، وضرورة أن تتدخل مؤسسة النقد العربي السعودي باعتبارها شريكاً
استراتيجياً في المساعدة على تنفيذ خطط الدولة في القطاعات كافة، ولا سيما هذا
القطاع الحيوي، بأن تحث البنوك على تسهيل عملية التمويل لصغار الملاك، لأن الإنسان
الذي يملك السكن يشعر بالأمن والأمان.
إن المملكة رغم ما تمر به المنطقة الملتهبة
قادرة - بإذن الله - على توظيف وتطوير العقار بشكل يختلف عن الشكل التقليدي له في
سبيل إسهامه بقوة في دفع عجلة اقتصاد الوطن.