د.خالد
النويصر
khalid@lfkan.com
لقد أدى تطبيق العقوبات البديلة للسجن إلى خطوات
إيجابية في كثير من دول العالم تجاه انحسار العقوبات السالبة للحرية بعد أن ظلت
عقوبة السجن العقوبة السائدة، حيث إنه ومع تقدم مسائل مثل حقوق الإنسان وعلم
الاجتماع وغيرهما، فقد بدأ التساؤل عن مدى جدوى السجون في بعض الحالات.
ويمكن تعريف العقوبات البديلة بأنها عبارة عن
مجموعة من الجزاءات التي يمكن أن تكون بديلاً للعقوبات التقليدية الكثيرة من سجن
وغيره، وتتضح فوائد تلك الجزاءات التي يراد إحلالها مكان العقوبات التقليدية التي
تكلف الدولة أموالاً باهظة، فضلاً على تبعاتها السلبية الأخرى على الفرد والأسرة
والمجتمع، لدى تكليف المسجون بتقديم خدمات للمجتمع من خلال قيامه بأعمال وخدمات
اجتماعية وغيرها.
وفي المملكة، فإن تطبيق العقوبات البديلة أمر لا
يتعارض مع الشريعة الإسلامية السمحة أو الأنظمة السائدة، حيث إن الشريعة ترتكز على
أسس وقواعد واضحة ومهمة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وقد أبانت بجلاء ووضوح تلك
العقوبات الثابتة التي لا يعتريها تغير بتغير تلك العناصر مثل عقوبات القصاص
والحدود وأرست لها القواعد الشرعية اللازمة، فضلاً على ثبوت الجريمة التي يُطبق
على مرتكبها عقوبة القصاص أو أي من الحدود الأخرى.
إن هناك نتائج وفوائد جمة من تطبيق تلك العقوبات
البديلة من أهمها معالجة مشكلة تكدس واكتظاظ السجون بالسجناء في جرائم دين مستحق
أو نتيجة لجنح طفيفة، وما يستصحبه هذا الأمر من آثار ومشكلات صحية ونفسية سيئة،
إلى جانب حماية الشخص نفسياً وجسدياً وعدم مخالطة المسجون في حق خاص أو جُنح بسيطة
لعتاة المجرمين وأصحاب السوابق الجنائية الكبيرة والخطيرة، وخفض النفقات الباهظة
المترتبة على الدولة من جراء إعالة وحماية ومتابعة أولئك المسجونين والتركيز على
عمليات الإصلاح والتأهيل في السجون على المجرمين الحقيقيين والخطرين واستفادة
المجتمع من تلك الخدمات التي يقدمها أولئك الأشخاص المطبقة عليهم تلك العقوبات
البديلة، فضلاً على الإبقاء على الأواصرالأسرية وتوفير سبل المعيشة لأسر المسجونين.
إن هنالك عقوبات بديلة عديدة وكثيرة يمكن
تطبيقها على السجناء في جرائم طفيفة بدلاً من عقوبة السجن، فعلى سبيل المثال فإن
السجناء في حق مالي خاص يمكن مصادرة أموالهم الثابتة أو المنقولة إلى الحد الذي
يغطي قيمة الدين والمنع من السفر وتجميد الحسابات البنكية إلى ما يغطي قيمة الدين
وإعطاء القضاة صلاحية اقتطاع جزء من راتب الموظف أو العامل في القطاع الخاص وتعطيل
كل اط مهني معين أو إخضاعهم لتأهيل مهني
محدد هدفه إبعادهم عن جو الجرمية وإصلاح سلوكهم، والإقامة في مكان معين لفترة
محددة ومنع الجاني عن ارتياد أماكن محددة والخضوع للمراقبة الاجتماعية وإلزام
المحكوم عليه ببعض الأعمال مثل الزراعة وخدمة كبار السن والمعوقين والأسر الفقيرة
وتنظيف الحدائق والمرافق العامة وغيرها.
إن المشكلة ليست في الأخذ بالعقوبات البديلة
وتطبيقها، إنما تكمن في وضع التقنين والآليات والضوابط الكفيلة بتحقيقها لأغراضها
المبتغاة منها - والتي قد لا تحققها - إذا لم تراع كل هذه الأمور بشكل دقيق وصحيح،
بل ربما تكون أضرارها السلبية أكثر من عدم تطبيقها، ومن أهم هذه الضوابط ما يلي:
أولاً : ضرورة التقنين: فالعقوبات البديلة
كغيرها من العقوبات الجزائية التقليدية الأخرى يجب ضبطها بما يضبط به أي نص جزائي،
ولا بد لها كذلك من إلزامها إلزاماً صارماً بمبدأ أنه (لا جريمة ولا عقوبة إلا
بنص)، ولا يمثل هذا الجانب التزاماً يمكن تجاهله في إطار مبدأ توطيد العقوبات
البديلة وترسيخها على حرية القاضي في عملية الاجتهاد، بل الأمر على خلاف ذلك، إذ
إن ثمار الالتزام به من الجانب الموضوعي أعمق من عملية ترسيخ دور القاضي ليضطلع
بعملية الاجتهاد، كما تساعده أيضاً على معرفة صلاحياته وحدوده وبذلك يترسخ مبدأ
العدالة بأسلوب منهجي سليم.
ثانياً: تحديد الكيفية والأسس التي يمكن الأخذ
بها: إن مجرد تقنين هذه العقوبات في حد ذاته أمر غير كافٍ وحده، حيث يجب أن يلتزم
النظام بقواعد التجريم والعقاب الواجبة في أي نص جنائي ليتم في ضوئها تحديد أنواع
تلك العقوبات تحديدا واضحاً لا يشوبه أي لبس أو غموض حتى تصبح عقوبات متدرجة
ومتعددة في جوهرها مع أهمية إرساء كل الأسس التي تمكن القاضي من تغيير العقوبات
الأصلية بعقوبات بديلة كنوع الجريمة وحجمها وغيرهما من الأمور الأخرى.
ثالثاً: ضمان التنفيذ: كي تؤدي العقوبات البديلة
الهدف الذي صدرت من أجله، فلا بد من تنفيذ ما يصدر منها من أحكام، ويمكن في هذا
الصدد إنشاء إدارة متخصصة تتولى عملية المتابعة اللازمة والمهمة في هذا الشأن لتقف
على الفائدة الحقيقية للحكم بها ومدى فاعليتها على المحكوم عليه، ويمكن اللجوء إلى
إلغائها عن شخص ثبت لديه نزعة متأصلة في الجريمة حتى لا تكون العقوبات البديلة
فرصة له أو لغيره للاستهتار بحقوق الناس وبالنظام العام، كما يجب متابعة المحكوم
عليه بها لمدة زمنية معينة للوقوف على مدى عملية الإصلاح والتأهيل والأثر الناجم
على شخصيته من جراء ذلك.
رابعاً: أهمية عملية التسبيب: إنه في العصر
الراهن فقد تلاشت مسألة الصلاحية المطلقة في إطار العمل القضائي، حيث لم تعد هذه
الخاصية لدى أي من القضاة أو العاملين في هذا المجال ليتميزون بصلاحية أو سلطة
جنائية مطلقة في كل مراحل الدعاوى المختلفة، حيث أضحت الأمور المتعلقة بالاستدلال
خاضعة لرقابة سلطة التحقيق التي تجري مراجعتها لدى النظر في الدعوى، ولا تعني
عملية الأخذ بالعقوبات البديلة تخلي القضاء عن تسبيبب الأحكام الصادرة عنه.
خامساً: عملية التقييم المستمرة: يجب أن يكون
هناك تقييم ومراجعة بصفة دورية ودائمة لتلك العقوبات للتأكد من فاعليتها في تحقيق
الأهداف المرجوة منها، حتى لا يؤدي الأمر إلى إفراط في صدورها وفي الوقت ذاته
تجاهلها وعدم الأخذ بها، الأمر الذي يؤدي إلى الغرض المنشود منها.
ولذلك كله فقد حان الوقت لإصدار نظام متكامل
للعقوبات البديلة يساعد القضاة والدولة معاً، بل حتى الأشخاص المتهمين - إذا كانت
لديهم ميول للإصلاح ـ كما يساعد على توطيد هيبة النظام، وفي الوقت ذاته العمل على
إصلاح المحكوم عليه.
No comments:
Post a Comment