Translate

Monday, August 6, 2007



د.خالد النويصر
KHALID@LFKAN.COM
يُعد تعديل الأنظمة المحلية لتنسجم مع القوانين الدولية أحد عوامل استقطاب الاستثمارات الدولية وتحفيز الاستثمارات المحلية، ولهذا الهدف عملت المنظومة القانونية في المملكة على توفير بيئة ملائمة لتشجيع الاستثمار للنهوض بالمستوى المعيشي للمواطن، وأمام هذه المعطيات فقد حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، على مواكبة التطورات الاقتصادية والقانونية الرامية إلى دفع عجلة الاقتصاد والتنمية في المملكة. ومن أهم هذه التطورات القانونية تعديل بعض مواد نظام الشركات الصادر بالمرسوم الملكي رقم /م/6/ وتاريخ 22/03/1385هـ الذي يأتي في إطار حزمة من الأنظمة الداعمة للاستثمار المحلي والأجنبي في المملكة خاصة بعد انضمامها إلى العديد من الاتفاقيات الثنائية والدولية المعنية بقضايا التجارة والاقتصاد كمنظمة التجارة العالمية WTO على سبيل المثال، وفي هذا الإطار فقد وافق مجلس الوزراء الموقَّر على قرار مجلس الشورى بتعديل المادة (158) من نظام الشركات، بحيث حلت عبارة "رأسمال الشركة ذات المسؤولية المحدودة يحدده الشركاء في عقد الشركة" محل عبارة " لا يقل رأسمال الشركة ذات المسؤولية المحدودة عن 500 ألف ريال سعودي".
وقد تباينت الآراء بين مؤيدٍ ومعارض لهذا التعديل المتضمن إلغاء الحد الأدنى المطلوب لتسجيل الشركة ذات المسؤولية المحدودة، حيثُ اتجه البعض إلى القول إنه يعد خطوة ضرورية ومهمة لإصلاح النظام القانوني لرأسمال الشركات ذات المسؤولية المحدودة وتحسين البيئة الاستثمارية في المملكة، بإعطائه فرصةً أكبر للشركاء في تحديد رأس المال من دون أن يكونوا ملزمين بحد أدنى أو سقف معين، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الأبواب أمام صغار المستثمرين والشباب والمهنيين ذوي الدخول المعتدلة لتأسيس هذا النوع من الشركات بما ينعكس إيجاباً على أداء الاقتصاد الوطني وإيجاد مزيدٍ من الفرص الوظيفية والاستثمارية، إلى جانب أن هذا التعديل يؤدي إلى تشجيع المشاريع المتوسطة والصغيرة لتتخذ شكل الشركة ذات المسؤولية المحدودة بدلاً من شكل شركات الأشخاص التي لا يتاح فيها للشركاء التمتع بمزية أن تكون مسؤوليتهم محدودة بحدود حصصهم في رأسمال الشركة، كذلك فإن التعديل يتيح للمؤسسين للشركات ذات المسؤولية المحدودة الاستمرار في العمل بالحد الأدنى الملغى والبالغ 500 ألف ريال بالنسبة للشركات التي تم تأسيسها قبل صدور قرار مجلس الوزراء الموقر بالتعديل الجديد، أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعديل عقود تأسيس الشركات وأنظمتها الأساسية نزولاً إلى الحد الأدنى الذي يتفق عليه الشركاء في عقد تأسيس الشركة.
وفي المقابل، فإن البعض الآخر يجد أن هذا التعديل لا يتناسب مع هذا الشكل من أشكال الشركات التي تقترب من شركة الأموال من حيث تحديد مسؤولية الشركاء فيها، إذ إن هذا الشكل يمكن الشركاء من تحديد مسؤولية كل شريك بقدر حصته في الشركة ويدرأ عنهم مخاطر المسؤولية المطلقة والتضامنية التي يتعرض لها الشركاء المتضامنون في شركات الأشخاص، لذا، فإنه من الأهمية بمكان أن يكون هناك حد أدنى لرأسمال هذه الشركات في نظام الشركات لأن المشاريع الاقتصادية التي تتم في ظل هذه الشركات ليست بالصغيرة وإنما لها تأثير كبير في اقتصاد الدولة، إلى جانب أن الشركة ذات المسؤولية المحدودة ورغم ما تحققه من مزايا للشركاء إلا أنها لا تتمتع بائتمان قوي في الأوساط التجارية بسبب مسؤولية الشركاء المحدودة وضعف الحد الأدنى لرأسمالها في ظل نظام الشركات قبل التعديل والذي لا يحقق ضماناً كافياً لدائنيها خلافاً لما هو عليه الحال في شركات الأشخاص حيث يُسأل الشركاء المتضامنون مسؤولية شخصية وتضامنية عن التزامات الشركة، وكذلك شركات المساهمة التي يقوم ضمان دائنيها على كبر رأس المال ورقابة الجهات الحكومية الفاعلة على نشاطها وآليات ممارسة أعمالها.
كما أن الخشية من هذا التعديل أن تتخذ الشركات ذات المسؤولية المحدودة ستاراً للتلاعب بحقوق العملاء، وذلك عندما يعقد المسؤولون عن إدارتها صفقات مع هؤلاء العملاء تزيد قيمتها على موجوداتها، مما يُشكل خطراً على حقوق المتعاملين معها الذين لا يسمح لهم نظام الشركات بمساءلة الشركاء في أموالهم الخاصة عندما لا تتمكن الشركة من الوفاء بتعهداتها، فتكون هذه الشركة وسيلة للتهرب من المسؤولية القانونية وزعزعة الائتمان الذي يقوم عليه النشاط التجاري.
ولتجنب المخاطر الكبيرة الناجمة عن ضعف الضمان الذي تقدمة الشركة ذات المسؤولية المحدودة للمتعاملين معها تحرص بعض القوانين في الدول المتقدمة على إحاطة إنشائها وعملها ببعض الضمانات المهمة التي من شأنها أن تحمي الشركة من الإفلاس وتحمي المتعاملين معها كذلك من تلاعب الشركاء. ومن هذه الضمانات وضع حد أدنى لرأس المال يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية وواقع البيئة الاستثمارية منعاً لتأسيس شركات لا توفر ضماناً كافياً لدائنيها والمتعاملين معها.
والحد الأدنى لرأسمال الشركة يُعد شرطاً لتأسيسها واستمرارها ومزاولة نشاطها وما يؤكد أهمية ذلك هو أن التعديل الأخير للمادة (180) من نظام الشركات المعدلة بالمرسوم الملكي /م/22/ وتاريخ 30/7/1422هـ أوجب على المديرين أن يعرضوا على الشركاء أمر حل الشركة ذات المسؤولية المحدودة إذا بلغت خسائرها 50 في المائة من رأسمالها، وإذا أهمل المديرون دعوة الشركاء جاز لكل ذي مصلحة أن يطلب حل الشركة.
ونظراً لأهمية الدور الذي تقوم به الشركات ذات المسؤولية المحدودة في بعض الجوانب المهمة من النشاط الاقتصادي في المملكة وتأثيرها في مصالح المواطنين والمقيمين، فلا شك أن هذا التعديل يُعد إضافة نوعية لهذا الشكل من الشركات لا سيما من حيث مواكبته التطورات القانونية في ضوء البيئة الاستثمارية الجديدة في المملكة والتي تحتاج إلى مزيدٍ من جهود الجهات المختصة لإجراء تعديل على كامل أحكام الشركة ذات المسؤولية لتغطي جميع جوانبها القانونية من حيث تأسيسها وإدارتها وتصفيتها والرقابة عليها حتى لا تصبح الشركات ذات المسؤولية المحدودة أداة للاستغلال والتلاعب بحقوق المتعاملين مع الشركة. وفي هذا الصدد, فإن إلغاء الحد الأدنى لرأس مال الشركة ذات المسؤولية المحدودة يتلاءم مع التطورات الدولية والإقليمية ومتطلبات المستثمرين وتأكيداً على أن المملكة ماضية بقوة نحو إيجاد إطار قانوني يقدم حزمة من الامتيازات والتسهيلات للاستثمار المحلي والأجنبي ويفتح مزيداً من أبواب الاستثمارات المتوسطة والصغيرة في المملكة.

Thursday, July 19, 2007

معوقات مكافحة ظاهرة غسل الأموال




د.خالد النويصر
KHALID@LFKAN.COM
تشكل جريمة غسل الأموال معضلةً عالمية وتحدياً فعلياً أمام كل مؤسسات المال والأعمال لأنها صورة من صور الجريمة المنظمة. وقد اتسع نطاق هذه الجريمة في السنوات الأخيرة نظراً لما يشهده عصرنا الحالي من تطور سريع في مجال تكنولوجيا المعلومات والدخول في عصر العولمة دون أي حواجز اقتصادية، كما أن جريمة غسل الأموال هي جريمة لاحقة لأنشطة إجرامية متعددة وتترتب عليها مخاطر وأضرار اقتصادية واجتماعية وسياسية وجنائية بالغة بالمجتمع، وقد دلت الأبحاث والدراسات المتخصصة على أن من أخطر صور الإجرام المنظم جريمة غسل الأموال والاتجار غير المشروع في المخدرات والسلاح وجرائم الإرهاب.
لهذا، فإن جريمة غسل الأموال ترتكبها جماعات إجرامية منظمة ومتخصصة وترتبط إلى حدٍ كبير بأنشطة غير مشروعة تُنفذ خارج نطاق القوانين والأنظمة المناهضة للممارسات الضارة بأمن المجتمع واستقراره، كما أنها تهدف إلى إضفاء الشرعية على أموال هي في حقيقتها ذات مصدر غير مشروع.
وقد أخذت جريمة غسل الأموال بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001م اهتماما كبيراً على الصعيدين المحلي والدولي، كما عُقدت بخصوصها العديد من الاتفاقيات والمؤتمرات التي كان من أهمها:
1.اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية عام 1988م والمعروفة باسم اتفاقية فيينا، وقد تضمنت هذه الاتفاقية سياسة جنائية واضحة بخصوص مكافحة ظاهرة غسل الأموال.
2.مؤتمر عمّان سنة 1994م، وقد شاركت فيه السعودية وعدد كبير من دول العالم، حيث اهتم بالبحث في موضوع غسل الأموال الناجمة عن الجرائم بشكل عام وتسخير جميع إمكانيات التعاون الدولي من أجل مكافحة غسل الأموال وما يرتبط بها من أنشطة غير مشروعة.
3.قرار مجلس الأمن رقم (1373) الصادر في 28/09/2001م بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001م، وقد تضمن دعوة جميع دول العالم إلى تجميد الأموال أو أي أصول أخرى تعود لأشخاص أو هيئات معينة قاموا بارتكاب أعمال تتسم بالعنف والإرهاب.
والواقع أن معظم الدول العربية ومن بينها المملكة قد أصدرت قوانين خاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال، فقد صدر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/39 وتاريخ 25/6/1424هـ نظام مكافحة غسل الأموال السعودي ولائحته التنفيذية الذي جاء في (29) مادة، حيث تضمن النظام أسسا ومقومات وتدابير كاملة لمكافحة غسل الأموال، ومن أبرزها إنشاء وحدة للتحريات المالية لمكافحة عمليات غسل الأموال وإلزام المؤسسات المصرفية والمالية بالتحقق من هوية العملاء وعناوينهم قبل فتح حساب لهم، فضلاً عن الاحتفاظ بسجلاتهم ومستنداتهم لمدة لا تقل عن عشر سنوات. وقد سبق هذا النظام صدور المرسوم الملكي رقم 19بتاريخ 15/01/1410هـ بالتصديق على اتفاقية فيينا عام 1988م، كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 15 بتاريخ 18/01/1420هـ بالموافقة على تطبيق التوصيات الـ 40 لمكافحة عمليات غسل الأموال الصادرة عن لجنة العمل المالي ,FATFإلى جانب صدور قرار مجلس الوزراء رقم 287 بتاريخ 14/11/1422هـ بإنشاء لجنة دائمة لمكافحة غسل الأموال برئاسة معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، حيث قامت المؤسسة في عام 1995م بإصدار دليل إرشادي لجميع البنوك السعودية لمنع ومكافحة عمليات غسل الأموال، فيما أصدرت وزارة التجارة والصناعة وفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 15 التعميم رقم 1312 وتاريخ 05/08/2001م الخاص بمكافحة عمليات غسل الأموال في المجالات التجارية والصناعية والقطاعات المهنية والمحاسبية والقانونية والاستشارية.
والملاحظ أن مكافحة جريمة غسل الأموال قد احتلت في الآونة الأخيرة مركز الصدارة في الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية والإقليمية والقوانين والأنظمة الخاصة بكل دولة على حدة، وعلى الرغم من ذلك كله، فلا تزال مكافحة جريمة غسل الأموال تواجه العديد من العقبات التي من شأنها أن تحول دون القضاء عليها بشكلٍ نهائي، حيث تُعد السرية المصرفية من أكثر العقبات التي تقف عائقاً أمام مكافحة عمليات غسل الأموال، لأنها تشكل مانعاً من الاطلاع على الحسابات والودائع المصرفية، وملجأ للأموال المشبوهة، فمن المعلوم أن علاقة البنك مع عملائه تقوم على الثقة التي يكون عمادها كتمان البنك لأسرار عملائه المالية وعدم إفشائها لأن هذا يعرض البنك للجزاءات المدنية والجنائية باعتبار أن حفظ السر المصرفي يُعدُ جزءاً من الحرية الشخصية التي كفلتها القوانين والأنظمة الجنائية.
ومن العقبات الأخرى التي تعترض سبل مكافحة عملية غسل الأموال:ـ
1ـ ضعف أجهزة الرقابة للتجارة الدولية، فقد نصت المادة 12/9 من اتفاقية فيينا عام 1988على ضرورة إنشاء نظام لمراقبة التجارة الدولية تسهيلاً لكشف الصفقات المشبوهة وتطبيقاً لنص هذه المادة قامت الدول المهتمة بمكافحة عمليات غسل الأموال بإنشاء أجهزة متخصصة لذلك، إلا أن هذه الأجهزة ما زالت تعاني بعض النقص الذي يحد من نشاطها وفعاليتها، خاصة فيما يتعلق بتنوع الأنظمة والقوانين المطبقة على مستوى جميع دول العالم، وكذلك ضعف التعاون الدولي في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال.
2ـ عدم وجود أنظمة معلوماتية متطورة لدى العديد من الدول تسمح بمراقبة التحركات المالية ومعرفة مشروعية مصدرها وأوجه استثمارها.
3ـ عدم التزام البنوك بالمراقبة والتحقق من العمليات المصرفية المختلفة، وهذا ما أكدته بعض الدراسات المهتمة بموضوع مكافحة غسل الأموال.
4ـ عدم وجود برامج تدريبية متطورة للعاملين في القطاع المالي والمصرفي تقوم على توعيتهم بمعرفة تقنية مكافحة غسل الأموال، حيث ما زالت بعض البنوك والمؤسسات المالية في بعض دول العالم تعاني نقصاً كبيراً في الخبرات لدى موظفيها.
5ـ اختلاف القوانين بين الدول، فما يُعد جريمة في قانون دولة ما لا يشكل جريمة في قانون دولة أخرى
6ـ اختراق أجهزة الحاسوب للمصارف والمؤسسات المالية، فمن المعلوم أن جرائم غسل الأموال إلكترونياً تتم من خلال إجراء عمليات معقدة من التحويلات النقدية الإلكترونية من حساب إلى آخر، وذلك لإضفاء الشرعية على هذه الأموال.
وعلى ضوء ما تقدم توجد العديد من الاقتراحات يمكن إبراز أهمها على النحو التالي: ـ
1ـ إلغاء ترخيص وشطب كل بنك أو مؤسسة مالية ثبت تورطها في القيام بعمليات غسل الأموال وتقديم المسؤولين عن إدارة البنك إلى المحكمة الجنائية المختصة بتهمة الإضرار باقتصاد ومصالح العليا للدولة.
 2ـ إعادة تأهيل العاملين والموظفين في البنوك وعقد الدورات التدريبية والمتخصصة لهم وإطلاعهم على الأساليب الحديثة وأدوات التكنولوجيا المختلفة التي تمكنهم من الكشف مبكراً عن أي محاولة لغسل الأموال والإبلاغ عنها.
3ـ إنشاء وكالة مركزية متطورة للرقابة على التحويلات المالية الدولية المختلفة وتحديداً التحويلات ذات الصلة بالأنشطة غير المشروعة أو التي تثير الشبهات.
4ـ كشف عمليات مرتكبي جريمة غسل الأموال وتعريف الناس بالأبعاد المترتبة عليها من خلال نشرها وبثها في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
وتفادياً للمخاطر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المترتبة على جريمة غسل الأموال وآثارها السلبية، فإن هذا يستدعي التعاون والتنسيق بين جميع دول العالم بغرض مكافحة عمليات غسل الأموال ووضع آليات مثلى للقضاء عليها في الوقت المناسب.

Thursday, May 31, 2007

المسؤولية القانونية عن الأضرار البيئية



المسؤولية القانونية عن الأضرار البيئية

د.خالد النويصر
KHALID@LFKAN.COM
تزايد الاهتمام العالمي في العقود الثلاثة الماضية بالبيئة نظراً لما تواجهه من تهديد بأخطار التلوث البيئي بمختلف أشكاله وصوره، فقد أدت أنشطة الإنسان الصناعية وطموحاته الاقتصادية إلى إحداث خلل في التوازن البيئي، حيث تشير كل المعلومات والدراسات والتقارير والمشاهدات الحية إلى الآثار السلبية التي تترتب على سوء التعامل مع البيئة، وإلى الخسائر الفادحة والمخاطر الصحية التي تتعرض لها الدول بسبب تلويث البيئة بالأدخنة والغازات السامة والروائح الكريهة واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً وغيرها.
ففي المملكة العربية السعودية، وهي التي تسير بخطوات متسارعة نحو التنمية الاقتصادية المستدامة، تظهر الحاجة إلى الربط بين البيئة والتنمية الاقتصادية لمعرفة المخاطر والأضرار البيئية الجديدة التي تنجم من جرّاء التنمية ودخول معركة النمو والتصنيع، وبالتالي تحديد المسؤولية القانونية عن الأضرار البيئية، لأن هنالك العديد من الجوانب التي تميزها عن غيرها من أنواع المسؤولية الأخرى، ففي مجال حماية البيئة فإن القوانين والأنظمة الداخلية في المملكة اعترفت للأشخاص بالحق في استثمار أموالهم وإنشاء الشركات والمصانع على الوجه الذي يريدون ما دام أنهم يستعملون حقهم في الحدود المرسومة نظاماً وبشكلٍ مشروع، فإذا تجاوزا الحدود المرسومة لاستعمال حقهم فأوقعوا ضرراً بالبيئة، فإن عملهم عندئذٍ يخرج من دائرة الحق وينقلب عملاً غير مشروع يوجب المساءلة القانونية، وهذا يعني أن استعمال الحق مقيد بواجب عدم تلويث البيئة بالأدخنة والغازات السامة والروائح الخطيرة الضارة بالصحة.
وعلى المستوى الدولي، فقد اعترفت القوانين والاتفاقيات الدولية بالعديد من الحقوق للدول في مجال استغلال مواردها الطبيعية وممارسة سلطاتها واختصاصاتها، بيد أن ذلك ليس مطلقاً وإنما مقيداً بالحدود المرسومة للحق ولا يجوز لها أن تتجاوزه، فإن هي خالفت ذلك خرجت عن دائرة الحق وتحملت تبعات ذلك من حيث المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تلحق بالأشخاص والممتلكات جرّاء التعدي الضار على البيئة، وهذا ما تم تأكيده في مؤتمر الأمم المتحدة الثاني حول البيئة والتنمية الذي عقد في البرازيل سنة 1992، حيث نص المبدأ الثاني منه على أن "تملك الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي الحق السيادي في استغلال مواردها وفقاً لسياساتها البيئية والإنمائية وهي مسؤولة عن ضمان ألا تسبب الأنشطة التي تدخل في نطاق ولايتها أو سيطرتها أضراراً لبيئة دولة أخرى أو لمناطق واقعة خارج حدود ولايتها الوطنية "، وفي هذا المجال نشير إلى المبدأ (21) من مجموعة مبادئ مؤتمر ستوكهولم لسنة 1972 الذي نص على أن "على الدولة مسؤولية ضمان الأنشطة التي تتم داخل حدود ولايتها أو تحت إشرافها لا تسبب ضرراً لبيئة الدول الأخرى أو للمناطق فيما وراء حدود ولايتها الوطنية". كما جاء في اتفاقية الكويت حول البيئة البحرية للخليج العربي لسنة 1978 النص على أن تتعهد الدول الأطراف فيما بينها في صياغة وإقرار القواعد والإجراءات المناسبة لتحديد المسؤولية المدنية والتعويض عن الأضرار الناجمة عن تلويث البيئة البحرية مع مراعاة القواعد والإجراءات الدولية السارية والمتعلقة بهذه الأمور.
ولذلك، فإن المسؤولية القانونية للأفراد أو الدول عن الأضرار البيئية، ترتبط بالضرورة بالخطأ في التصرف الذي لا يشترط أن يكون عمدياً، لأن المسؤولية يمكن أن تقوم بناءً على الخطأ بإهمال أو عدم تبصر، وفق هذه الفلسفة فإن كل خطأ يسبب ضرراً للغير يلزم من وقع الضرر بخطئه بتعويضه، فقيام أي شخص طبيعي أو اعتباري خاص أم عام بتلويث الماء أو الهواء أو التربة أو امتناعه عن اتخاذ الإجراءات اللازمة أصولاً لمنع حدوث التلوث من النشاط الذي يقوم به يعرضه لتحمل المسؤولية والتعويض عن الأضرار التي تقع. أما فيما يخص الجانب الجزائي من المسؤولية القانونية فيهدف إلى حماية المجتمع ممن أخل بأمنه واستقراره بارتكابه عملاً إجرامياً عرفه القانون ووضع له العقاب المناسب.
ومن المعلوم أن المسؤولية تنشأ عن إخلال بالتزام قانوني سابق بعدم الإضرار بالبيئة، ويكون الإضرار غير المشروع مصدراً للمسؤولية في حدود النصوص القانونية التي تحكمها، ولتقنين مبدأ المسؤولية عن الأضرار البيئية لعبت المملكة العربية السعودية دوراً ريادياً في جميع الأعمال المتعلقة بحماية البيئة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وشاركت بنشاط خاص في المؤتمرات والملتقيات الدولية المتخصصة وانضمت إلى العديد من الاتفاقيات الخاصة بحماية البيئة ووضعت العديد من الأنظمة والتعليمات المنظمة للنشاط المتعلق بالبيئة، ومنها النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية لسنة 1422هـ، ويعود هذا الاهتمام الكبير بقضايا البيئة إلى العناية الخاصة التي أولتها حكومة المملكة، ممثلةً بالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز الذي يبذل جهوداً كبيرة وعلى الأصعدة كافة للنهوض بهذا القطاع الحيوي المهم.
ولعل من أهم أهداف النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية تحقيق التوازن بين احتياجات البيئة ومتطلبات التنمية، ذلك أن حماية البيئة والحفاظ عليها بل وتطويرها ينبغي ألا يشكل بالمقابل عائقاً رئيسياً لبرامج التنمية الاقتصادية في المملكة، فالتخطيط البيئي يُعد جزءاً لا يتجزأ من التخطيط الشامل للتنمية في جميع المجالات الصناعية والزراعية والعمرانية وغيرها، حيث ألزمت معظم مواد النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية الجهات المسؤولة عن التخطيط والتنمية الاقتصادية مراعاة التوازن بين اعتبارات البيئة وضرورات التخطيط والتنمية، فقد نصت المادة (10) من النظام على أنه "يجب مراعاة الجوانب البيئية في عملية التخطيط على مستوى المشروعات والبرامج والخطط التنموية للقطاعات المختلفة والخطة العامة للتنمية" ونصت المادة (4/1) من اللائحة على أنه "على كل جهة عامة اتخاذ الإجراءات التي تكفل تطبيق القواعد الواردة في هذا النظام على مشروعاتها التي تخضع لإشرافها،....".
وفيما يخص الجزاءات المدنية والجنائية يلاحظ أن المواد (17، 18) من النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية تُجرّم أعمال التعدي على البيئة، بحيث قررت عقوبات تتراوح بين الغرامة والحبس مع الحكم بالتعويض المناسب وإلزام المخالف بإزالة المخالفة، وقد تصل العقوبة إلى الحبس أكثر من خمس سنوات والغرامة أكثر من خمسمائة ألف ريال أو بكليهما في حالة عودة المخالف لتكرار ما قام به من تعدٍ على البيئة، ويخضع تحديد الاختصاص القضائي للجرائم البيئية للمبادئ المتعارف عليها في القوانين الداخلية لكل دولة. وقد حُسمت هذه المسألة بنص المادة (20) من النظام العام للبيئة التي أعطت الاختصاص في النظر بقضايا البيئة لديوان المظالم، حيث ورد فيها أنه "يختص ديوان المظالم بتوقيع العقوبات المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة الثامنة عشرة بحق المخالفين لأحكام المادة الرابعة عشرة من هذا النظام".
ويتبين باستقراء قواعد النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية أنها ذات طابع فني في صياغتها تقوم على المزاوجة بين القواعد القانونية والحقائق العلمية البحتة المتعلقة بالبيئة، هذا إضافة إلى طابعها الدولي، ذلك أن أغلب الممارسات الضارة بالبيئة تمتد آثارها عبر حدود الدول وتتجاوزها بسبب أن من يمارس النشاط قد يكون هو الدولة في بعض الأحيان.
ويمكن القول إن النصوص القانونية المتعلقة بالبيئة في المملكة على درجة عالية من الإحكام والإتقان في الصياغة، إلا أنها ما زالت قليلة بسبب حداثة المشكلات البيئية المثارة وتشعب الأضرار الخاصة بالبيئة، لذلك يُقترح عمل مراجعة مستمرة لجميع القواعد القانونية المتعلقة بحماية البيئة بحيث تكون مواكبةٌ لما تواجهه البيئة بصورة مستمرة من أخطار التلوث البيئي. كما يُقترح إدخال التربية البيئية في المناهج التعليمية لجميع المراحل الدراسية والاعتراف في الوقت ذاته بأحقية كل شخص في المملكة برفع الدعوى لدى الجهات المختصة بأي مشكلة بيئية حتى ولو لم يكن متضرراً بصورة شخصية منها، وهو ما يُعرف بالدعوى الشعبية التي من شأنها في الحقيقة أن تحمل كل شخص في الدولة سواء أكان مواطناً أم مقيماً مسؤولية الدفاع عن البيئة وحمايتها من الاعتداء عليها بمختلف الطرق والوسائل القانونية.

Thursday, May 17, 2007

التعاقد الإلكتروني في ضوء نظام التعاملات الإلكترونية لعام 2007


د.خالد النويصر
khalid@lfkan.com
سمحت التقنيات الحديثة للاتصالات والمعلوماتية بزيادة التعاقد الإلكتروني، فقد غدت شبكة الإنترنت اليوم الميدان الأوسع للنشاطات الإنسانية وتحوّلت إلى سوق عالمية باهرة لإبرام العقود والصفقات التجارية. ويطلق على تلك الممارسات مصطلح التجارة الإلكترونية، ومما لا شك فيه أن ظهور التعاقد الإلكتروني قد أوجد ثورة في مجال التجارة وغيّر من معالم العلاقة بين التجار والمستهلكين وبين الشركات والمؤسسات بعضها بعضا، بحيث لم تعد المسافات الشاسعة مانعة من التعاقد بين أطراف من بقاع ودول شتى ربما لا تسنح لهم الفرصة برؤية أو معرفة بعضهم بعضا. وبالمحصلة أسهم التعاقد الإلكتروني في تكريس مفهوم العولمة، فأصبحت الشركات العالمية الكبرى غير محتاجة إلى فروع لها في دول العالم لتسويق تجارتها، وأصبح التاجر وحيثما كان موجودا، غير مقيد بالسوق المحلية، فالعالم كله سوق حر له عبر الإنترنت، وهذا كله أدى إلى إيجاد المنافسة القوية التي انعكست إيجابا على حركة الاقتصاد الوطني والعالمي.
لذلك كان من الضروري إيجاد وسائل قانونية تضمن سلامة التعامل الإلكتروني وتواكب الإمكانات الهائلة التي توفرها هذه التقنيات للتعاقد دون سندات ورقية موقعة بخط اليد، كما جرت عليه العادة في التعاقد التقليدي، لأجل ذلك فقد صدر عن لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية لعام 1996، ولقد وضع هذا القانون كنموذج للدول لأجل تبنيه في قوانينها المحلية في مجال العلاقات التجارية التي تتضمن استخدام الإنترنت والوسائل المشابهة، ومن الملاحظ أن نظام التعاملات الإلكترونية السعودي الذي تم إقراره من مجلس الوزراء بتاريخ السابع من ربيع الأول 1428هـ الموافق 27 آذار (مارس) 2007 قد تأثر بشكل واضح وملموس بالقانون النموذجي للتجارة الإلكترونية، مع أخذ استبعاده لبعض الأحكام التي لا تتناسب مع الأنظمة السعودية في الاعتبار، وهذا اتجاه إيجابي لما يلي:
  1- إن جميع الدول التي وضعت قوانين تنظم التعاملات الإلكترونية قد تبنت تقريبا ذات الأحكام الواردة في القانون النموذجي.
  2- إن وجود قواعد قانونية متماثلة تحكم تعاملات التجارة الإلكترونية سيسهم بكل تأكيد في تشجيع التجارة الدولية وزيادة التعاقد عبر الإنترنت بين مختلف الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين.
 3- إن تبني قواعد القانون النموذجي من الدول سيؤدي إلى معرفة الأفراد المتعاقدين المسبقة بالقانون الذي سيطبق على علاقاتهم عند النزاع، وبالتالي يتجنب كل طرف أن يطبق عليه قانون غريب عنه لا يعلم بمضمون قواعده.
ويلاحظ بالتدقيق في نصوص نظام التعاملات الإلكترونية أنه خصص المواد (10 – 13) منه لبيان الأحكام الخاصة بآلية التعاقد الإلكتروني. وقد تبيّن أن القانون الذي يحكم التعاقد الإلكتروني هو ذاته الذي يحكم التعاقد التقليدي عموما وهو قانون الإرادة، وأنه من غير اليسير تحديد هل هو عقد بين حاضرين أو بين غائبين لصعوبة انطوائه تحت إحداهما بشكل مطلق، فقد نصت المادة (10/1) من نظام التعاملات الإلكترونية على أنه "يجوز التعبير عن الإيجاب والقبول في العقود بواسطة التعامل الإلكتروني، ويُعد العقد صحيحا وقابلا للتنفيذ متى تم وفقا لأحكام هذا النظام"، ونصت المادة (11/1) من ذات النظام على أنه "يجوز أن يتم التعاقد من خلال منظومة بيانات إلكترونية آلية أو مباشرة بين منظومتي بيانات إلكترونية أو أكثر تكون معدة ومبرمجة مسبقا...."
وتكمن أهمية هذين النصين في أنهما يؤكدان أنه لا يوجد ما يمنع من التعبير عن الإرادة عن طريق الإنترنت أو أي وسيلة مشابهة بتبادل الإيجاب والقبول بين المنتج أو المزود والمستهلك، وذلك على اعتبار أن العقود التي تعقد عبر الإنترنت لا تختلف عن مثيلاتها التقليدية إلا من حيث الصورة والوسيلة المستخدمة للتعبير (البريد الإلكتروني، الويب)، ففي التعاقد الإلكتروني، فإن الصورة التي تبرز للتعبير عن الإرادة هي الكتابة الإلكترونية، وهذا يعني بالتأكيد أن تكون هذه الإرادة صريحة وليست ضمنية، ولعل ما جاء في المادتين (12، 13) من نظام التعاملات على قدر كبير من الأهمية، إذ إنه يؤكد أن القوة القانونية لا تلحق فقط بالإيجاب والقبول (انعقاد العقد الإلكتروني)، بل تمتد لتشمل كافة المراسلات والبيانات، وأي تعبير آخر عن الإرادة التي تتعلق بتنفيذ العقد، فكل تعبير عن الإرادة يصدر بوسيلة إلكترونية ويتعلق بتنفيذ العقد يعتبر صحيحا مرتبا لآثاره القانونية.
ولا شك أن رجال القانون بمختلف فئاتهم معنيون بهذا النظام، لما له من تأثير في ممارساتهم المهنية، وذلك بمواجهة ما قد يصاحب هذا التطور من تغيرات في أسلوب التعامل القانوني، وبخاصة التعاقد وإعطاء الرأي القانوني في مجال التجارة الإلكترونية، وبالرغم من أهمية نظام التعاملات الإلكترونية في تطوير حركة الاقتصاد، إلا أن هناك العديد من الاقتراحات التي يمكن من خلالها تلافي أي قصور في مجال التنظيم القانوني للتعاقد الإلكتروني يتمثل أهمها فيما يلي:
  1. لم يتناول نظام التعاملات الإلكترونية بعض المسائل المهمة المتعلقة بالتعاقد الإلكتروني مثل: تنظيم دور الشركات التي توفر الحماية المناسبة للمعلومات وشركات الوساطة التي تلعب دورا كبيرا في إبرام التعاقدات الإلكترونية، لذلك يُقترح تلافي هذا النقص ليكون تناول التعاقد الإلكتروني في نظام التعاملات الإلكترونية كاملا ومنسجما مع التطورات السريعة التي يشهدها عصرنا الحالي، ولا سيما أن توفير الأمن القانوني للتعاقدات الإلكترونية يعد مطلبا ضروريا لتشجيع التجار على استعمال وسائل إلكترونية في التعاقد، ما يعني تعاملات أبسط وأسرع وتكلفة أقل.
  2. لم يعالج نظام التعاملات الإلكترونية بأحكام واضحة المعالم مسألة زمان ومكان انعقاد التعامل الإلكتروني بصورة مباشرة، فقد تركها عرضة للاجتهاد والتحليل، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبا على قرارات المحاكم واللجان التي ستتولى تطبيق أحكام النظام، لذلك يُقترح تلافي هذا القصور.
3. تقصي جميع الأنظمة النافذة ورصدها، ومن ثم يصار إلى تعديلها بغية التوصل إلى صياغة محكمة للأنظمة ذات الصلة بنظام التعاملات الإلكترونية بشكل خاص وبالتجارة الإلكترونية بشكل عام.
 إصدار نظام تقني رقابي على شبكة المعلوماتية لتوفير الحماية لأي تبادل أو تراسل أو تعاقد بوسيلة إلكترونية  .4
وبكلمة موجزة يمكن القول إنه إذا كانت وسيلة التعاقد القانوني وفقا للفكر التقليدي لم يكن يلقى لها بال، حيث كانت دائما تتم في صورة مادية ورقية، فإن التعاقدات الإلكترونية وما أوردته من وسائل غير مادية يتم من خلالها تبادل الرسائل والبيانات التي يتم بها إبرام العقد وتنفيذها، كان لها بالغ الأثر في ضرورة إعادة النظر في القواعد التقليدية التي تحكم الالتزامات التعاقدية كي تنسجم مع هذا الوسط الجديد غير المادي.
محام ومستشار قانوني

Thursday, March 29, 2007

التعامل المحظور بأسهم الشركات المساهمة


د.خالد النويصر
KHALID@LFKAN.COM
تُعد الأوراق المالية عصب الحياة للأسواق المالية المعاصرة نظراً لاعتبارها السلعة الرئيسية المتداولة فيها، لذلك فإنها تعتبر من أبرز أدوات الاستثمار في الوقت الحاضر، حيث يتم من خلال سوق الأوراق المالية الجمع بين البائعين والمشترين لأسهم الشركات المساهمة العامة، ولذلك يجب أن يكون هذا السوق كفئاً، ففي السوق الكفء يعكس سعر السهم الذي تصدره شركة مساهمة عامة المعلومات المتاحة عنها كافة. إذا كان الأمر كذلك، فإنه يمكن الادعاء بأنه في ظل السوق الكفء تكون القيمة السوقية للسهم عادلة تعكس تماماً قيمته الحقيقية التي يتولد عنها عائد يكفي لتعويض المستثمر عما ينطوي عليه الاستثمار في ذلك السهم من مخاطر.
غير أن الادعاء بأن القيمة السوقية للسهم في ظل السوق الكفء تعادل قيمته الحقيقية ليس هو الادعاء الوحيد، إذ في ظل السوق الكفء يمكن الادعاء كذلك بأنه طالما أن سعر السهم في السوق يعكس دائماً قيمته الحقيقية، فإنه لا يمكن لأي من المتعاملين أن يحقق عائداً غير عادي يفوق ما يحققه أقرانه، فالعائد المتاح للجميع يكفي بالتمام والكمال لتعويض كل مستثمر عن المخاطر التي ينطوي عليها الاستثمار في السهم محل الصفقة بلا زيادة أو نقصان، فالسعر دائماً يعكس جميع المعلومات المتاحة بسرعة فائقة ، ولن يوجد في السوق سهم يباع في أي لحظة بقيمة تزيد أو تقل عن قيمته الحقيقية التي تعكسها المعلومات المتاحة للجميع في تلك اللحظة.
ولا خلاف من الناحيتين القانونية والأخلاقية في صحة وجواز القيام بعمليات بيع وشراء الأسهم بناءً على معلومات تم جمعها من السوق المالية، أو من الشركة المساهمة العامة المصدرة لتلك الأسهم، فالأعمال أساساً تقوم وتستمر من خلال المعلومات التجارية والمالية، ولكن المشكلة تنشأ عندما تكون هذه المعلومات قد أتت من مصادر سرية، وأن هناك القليل من الأشخاص على إطلاع عليها وذلك بحكم موقعهم، أو من خلال ارتباطهم بصلة ما مع أشخاص مطلعين عليها، وهذا يؤدي إلى انتهاك وانتقاص في عدالة السوق المالية، لأن سبب تفاوت المعلومات ليس عائداً إلى طبيعة الشخص ومقدار الجهد المبذول من قبله لمعرفة مدى تأثير هذه المعلومات في أسعار الأسهم، وإنما يعود إلى منصب أو وظيفة البائع أو المشتري في الشركة أو منصب أو وظيفة صاحب علاقة بالشركة، وتمت عملية بيع الأسهم أو شرائها بناءً على معلومات كان المنصب أو الوظيفة سبباً في الحصول عليها، مما يؤدي إلى جمع أرباح على حساب أشخاص ليس لديهم الإطلاع على المعلومات، الأمر الذي يقوض الثقة بسوق الأوراق المالية، مما يؤدي أيضاً إلى إحجام أشخاص كثيرين عن الاستثمار في الأسهم، وبالتالي انخفاض قيمتها والمحصلة النهائية عرقلة النمو الاقتصادي، إضافة إلى رغبة الشركات في أن يتعامل بأسهمها عدد غير قليل من الأشخاص لرغبتها في ارتفاع أسعار أسهمها.
ولهذا اتجه نظام الشركات السعودي ونظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية إلى حظر التعامل بأسهم الشركات المساهمة العامة على الوجه المذكور، إلا أن ما احتوته نصوص هذين النظامين غير كاف لتحقيق سلامة التعامل بالأسهم على أكمل وجه لما يلي:
 1- لم يحظر نظام الشركات على الموظفين ذوي الصفة الرسمية التعامل بأسهم الشركات المساهمة العامة بناءً على معلومات حصلوا عليها بحكم منصبهم الذي يمكنهم من الإطلاع على هذه المعلومات.
لم يوضح نظام الشركات طبيعة المعلومات التي يتم التعامل بالأسهم بناءً عليها  -2
لم يرصد نظام الشركات السعودي عقوبة رادعة لقاء استغلال المعلومات غير المعلنة  -3
 4- يجري التعامل داخل السوق المالية على الأسهم من خلال آلاف الصفقات يومياً، ويتعذر معرفة شخصية المتعاملين مع بعضهما البعض، حيث إن التعامل غير شخصي، وتبرم الصفقات عشوائياً عبر لوحة البيانات في حال توافق أو تطابق أوامر البيع أو الشراء المقدمة من الوسطاء فلوحة البيانات تخلو من تحديد شخصية البائع أو المشتري. الأمر الذي يصعب معه إثبات علاقة السببية بين الفعل والضرر.
 5- لم يضع نظام الشركات أسباباً للتخلص من المسؤولية عن التعامل بأسهم الشركات المساهمة العامة بالصورة المحظورة. وكذلك لم يضع أحكاماً خاصة للمسؤولية المدنية التي تترتب على التعامل بأسهم الشركات المساهمة العامة بالصورة المحظورة، ومن ثم أخضعت هذه المسؤولية للقواعد العامة.
ولذلك هنالك اقتراحات عديدة في هذا المجال يتمثل أهمها فيما يلي:-
 1- بما أنه لا يوجد حظر في نظام الشركات السعودي لاستغلال المعلومات بالنسبة للمتعامل الثانوي أو الموظفين ذوي الصفة الرسمية، فمن الضروري بمكان توسيع نطاق الحظر حتى يشمل كل شخص يستحوذ على معلومات غير معلنة.
 2- لما كانت نصوص مواد نظام الشركات لم تحدد بصورة صريحة ماهية المعلومات التي يحظر التعامل بالأسهم بناءً عليها، فإنه من الأهمية بمكان تحديد ماهية المعلومات، شريطة أن تكون غير معلنة للجمهور وذات علاقة حساسة بأسعار الأسهم وأن من شأن الإعلان عنها التأثير الجوهري في أسعار الأسهم.
 3- أن يقر نظام الشركات عقوبة رادعة لقاء استغلال المعلومات غير المعلنة، وأن تعطى المحكمة الحق بمصادرة الأسهم موضوع المخالفة إذا كانت مصادرتها مجدية لأنه في بعض الأحيان قد لا تجدي مصادرة الأسهم نفعاً بسبب أن المخالف قد يكون تصرف بها للغير.
 4- ضرورة إحالة المخالفات الناجمة عن التعامل المحظور إلى قضاء متخصص في القضايا الاقتصادية، نظراً لتعقيد هذه القضايا وحاجتها إلى معطيات خاصة قد لا تتوافر للقضاء العادي، وبالتناوب أن يكون الاختصاص في نظر هذه القضايا إلى هيئة السوق المالية.
 5- أن يتم تطبيق وسائل فنية حديثة في تداول الأسهم تكفل معرفة شخصية المتعاقدين، ومن ثم تكون هناك رابطة سببية عقدية مباشرة بين الطرفين، فإن حصل ضرر لأحدهما جراء استغلال الآخر للمعلومات غير المعلنة، يمكن إثبات علاقة السببية بين الفعل والضرر.
 6- ضرورة إعطاء هيئة السوق المالية مكنة التعاون مع الهيئات التي تمارس نشاطاً مماثلاً في الرقابة على سوق الأوراق المالية.
ومن الأهمية بمكان إعمال هذه الاقتراحات لحماية السوق المالية والمتعاملين فيها، وذلك من خلال العمل على وضع نظام خاص ومستقل عن نظام الشركات يقترح تسميته بـ" نظام التعامل المحظور بأسهم الشركات المساهمة".