Translate

Monday, December 5, 2011


Now, once again, the Anti-Terrorism Law issue has emerged to surprise us all, being of serious concern.

If enacted, the law will, among other things, permit suspects accused of “endangering...national unity” and “harming the reputation of the state” to be held incommunicado indefinitely without access to legal counsel as terrorism suspects if determined to be so by a special court.
Before outlining the reasons for opposing such a law, it is important to clarify one issue. With all due respect to our government, I firmly believe that Saudis need to be truly engaged in discussing the decision-making process and legislation that affect their lives. Otherwise, such laws will be viewed as unproductive procedures that do not serve the country or its strategic interests, including the Kingdom's security and stability.
In my opinion, the proposed Anti-Terrorism Law and any similar legislation intended to combat terrorism should not be implemented for the following reasons:
First: From the draft that was published but not yet finalized, one can sense there is a tendency to restrict personal freedom that may promote the violation of basic human rights. I understand there is an attempt to revise the draft to make it less severe, but that's not the issue. In reality, Saudi Arabia doesn't really need such an anti-terrorism law at all, especially when it can be interpreted to restrict legitimate freedom of expression. Indeed, the Kingdom has witnessed very challenging times over the last eight years when terrorism has become a major danger to the country's security. Without an anti-terrorism law, however, our government has succeeded (particularly due to the wonderful efforts of the Ministry of Interior) in rooting out terrorists with the full support of Saudi citizens.
There is no question that the Kingdom is threatened by other countries, in seeking to create social and political unrest in our country. Such efforts to endanger or destabilize the country must be strongly and decisively defeated by the Saudi government. We should not forget, however, that recent developments in the region clearly show that Saudi citizens are united and supportive of their government, which is the best defense in protecting the country from outside disruptive influences. Thus, one must ask why such a law is needed at all and what justification there is for it when Saudi Arabia has already succeeded in combating terrorism.
Second: If we study this law carefully, no matter the amendments that may be suggested, we can see that it represents the worst public relations campaign for Saudi Arabia before the entire world. It implies that the Kingdom is preparing its people for difficult times ahead. As presently drafted, or even as it may be amended, the proposed Anti-Terrorism Law runs the risk of suggesting that Saudi Arabia is an arbitrary and oppressive nation curtailing the basic human rights of its citizens. This is surely not what the government intends, but the proposed law is completely the wrong signal to send to the global community. As Saudis well know, the Kingdom has always been a haven that provides security and stability to its people, the region, and the whole world.
Third: Assuming that this law is passed, even if amended, and implemented, does this mean that when laws are proposed that may interfere with the rights of the people, deprive them of their freedoms and violate basic human rights, they will be sanctioned? It is undisputed that any law that does not respect human rights and human dignity is doomed to fail. We all know that the starting point for the issuance of any law should be to establish justice and protect human dignity and human rights; otherwise it will most certainly backfire. It is feared that other laws detrimental to human rights will follow the enactment of the Anti-Terrorism Law, simply because they promote the country's security regardless of the chilling effect the laws will have on personal freedom.
Thus, I respectfully ask the Saudi government to reconsider the matter and prevent the Anti-Terrorism Law from being enacted so as to protect the dignity and rights of the Saudi people and the reputation of the nation. The Kingdom does not need such a law. Instead, it really needs comprehensive reform in all aspects, particularly politically. This should take place as soon as possible and before we are confronted by future challenges and crises. Saudis are an enlightened and reasonable people whom our leaders can trust without passing legislation that can be used to restrict our freedoms. I am confident that our government will make the right choice for Saudis and prevent the anti-terrorism measure from becoming law.
— Dr. Khalid Alnowaiser is a Saudi attorney with offices in Riyadh and Jeddah. He can be reached at: Khalid@lfkan.com and/or Twitter (kalnowaiser)

Monday, November 28, 2011

وسائل الإثبات أمام هيئة التحكيم 1


د.خالد النويصر
khalid@lfkan.com
لقد أثبت التحكيم التجاري أهميته في جميع المجالات الإقليمية والدولية، وأصبح أمرا لا تخلو دولة من دول العالم من النص عليه في أنظمتها أو إفراد نظام مستقل خاص به، كما أثبت أنه الخيار المفضل لحل كثير من النزاعات - التي تدخل في اختصاصه - نظرا لما يتميز به من مميزات تفضله عن غيره من وسائل حل المنازعات الأخرى، رغم أنه طريق استثنائي بديل للقضاء المعتاد والمعلوم، وقد هدف المشرع من النص عليه لوجود حاجة ماسة إلى تأسيس آلية قضائية أو شبه قضائية تهدف إلى تقصير إجراءات التقاضي بسرعة الفصل في النزاعات، دون التقيد بالإجراءات الشكلية المتشعبة والمنصوص عليها بنظام المرافعات الشرعية أو قواعد المرافعات أمام ديوان المظالم.
وانطلاقا من قاعدة أن التحكيم كالقضاء يُلجأ إليه لحسم الدعاوى التي ينظرها، فإنه بذلك يستخدم طرق الإثبات المنصوص عليها في الأنظمة، فقد نص نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 في 12/07/1403هـ على أحقية هيئة التحكيم في اللجوء إلى أي من طرق الإثبات المنصوص عليها شرعا ونظاما لإثبات الدعوى التحكيمية والوصول إلى حكم فيها، شريطة أن يكون إجراء الإثبات المتخذ من قبل هيئة التحكيم منتج في الدعوى ومقبول شرعا ونظاما.
ومن وسائل الإثبات التي نص عليها النظام لإثبات الدعوى التحكيمية ما نصت عليه المادة الثامنة والعشرون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 7/2021/م وتاريخ 08/09/1405هـ والمتضمنة إلزام أحد أطراف الدعوى التحكيمية بتقديم ما تحت يده من مستندات متعلقة بموضوع الدعوى؛ إذ نصت على أنه ''يجوز لهيئة التحكيم بمبادرة منها أو بناءً على طلب أحد المحتكمين إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده''، ويتضح من مطالعة هذه المادة أن طلب إلزام الخصم بتقديم مستند تحت يده قد يكون بناءً على طلب هيئة التحكيم إذا ما رأت هي وجوب ذلك وإن لم يطلبه أحد أطراف الدعوى التحكيمية.
وقد حددت المادة سابقة الذكر الحالات التي يُلزم فيها أحد الأطراف بتقديم المستند الذي تحت يده، وهي: أ- إذا كان مشتركا بينه وبين خصمه، ويعتبر المحرر مشتركا على الأخص إذا كان المحرر لمصلحة الخصمين أو كان مثبتا لالتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة، ب- إذا استند إليه خصمه في أية مرحلة من مراحل الدعوى، جـ ـ إذا كان النظام يجيز مطالبته بتقديمه أو تسليمه، وقد تطلب نظام التحكيم حال طلب أحد خصوم الدعوى التحكيمية إلزام خصمه بتقديم مستند تحت يده أن يتوافر في هذا الطلب البيانات الآتية:
 1- أوصاف المحرر الذي يعينه،
 2- فحوى المحرر بقدر ما يمكن من التفصيل،
 3- الواقعة التي يستدل بها عليه،
 4- الدلائل والظروف التي تؤيد أنه تحت يد الخصم،
 5- وجه إلزام الخصم بتقديمه..
وهدف المنظم من النص على هذه الوسيلة من وسائل الإثبات أنه قد يؤدي تقديم المستند الذي تحت يد الخصم إلى حسم الدعوى التحكيمية والحكم فيها، إلا أن المنظم لم يوضح الإجراء الذي يجب اتخاذه حال امتناع أحد الخصوم عن تقديم هذا المحرر، وفي هذا الصدد فعلى هيئة التحكيم أن تعرض الأمر على الجهة القضائية المختصة بالفصل في النزاع لإصدار القرار الذي تراه مناسبا بهدف إجبار الخصم على تقديم المحرر المطلوب تقديمه طبقا لأحكام نظام المرافعات الشرعية، كما لم يبين المنظم الإجراء واجب الإتباع إذا كان المستند لدى إحدى الجهات الرسمية.
ويكون تقدير مدى أهمية هذا المستند في الدعوى التحكيمية يكون مرجعه إلى هيئة التحكيم التي لها أن تأخذ بما تضمنه المستند، كما لها أن تطرحه جانبا، لكن يجب أن يكون قرارها مبنيا على أساس من الواقع والنظام، كما يجوز لهيئة التحكيم الأمر بأي من وسائل الإثبات والتحقيق الأخرى التي ترى جدواها في تحقيق الدعوى، وهذا ما تم النص عليه في المادة (30) من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم، والتي جاء فيها أنه ''لهيئة التحكيم أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول في محضر الجلسة ويجوز للهيئة ألا تأخذ بنتيجة الإجراء مع بيان أسباب ذلك الحكم''، وليس للخصوم الطعن في هذا القرار - العدول عن إجراء الإثبات إلى غيره - مستقلا عن الطعن في الحكم الصادر في الدعوى، ولكن له الاعتراض على أي من هذه الإجراءات أو التحفظ عليها، وهدف المنظم من وجوب بيان أسباب عدول هيئة التحكيم عن وسيلة الإثبات التي أمرت بها إلى غيرها، حتى يكون ذلك تحت رقابة المحكمة المختصة إذا ما تم الطعن في الحكم الصادر من هيئة التحكيم أمامها.
إلا أن نظام التحكيم قد قيّد سلطة هيئة التحكيم حال الأمر بأي من وسائل الإثبات، بأن تكون هذه الوسيلة منتجة في الدعوى وجائزا قبولها؛ إذ نص في المادة (29) من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم على أنه ''لهيئة التحكيم أن تأمر بوسائل التحقيق المنتجة في الدعوى متى كانت الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالمنازعة وفوائده وجائزا قبولها''، ويرجع تقدير مدى جدوى هذه الوسيلة في الدعوى التحكيمية عن غيرها إلى سلطة وتقدير هيئة المحكمة، التي أجاز لها النظام الاختيار بين أدلة الإثبات المتعددة المنصوص عليها شرعا أو في نظام المرافعات الشرعية أو اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم، ما دامت هذه الوسيلة تهدف إلى تحقيق الدعوى والوصول إلى حكم عادل فيها.
وبذلك نرى أنه لا ضير أن تأخذ هيئة التحكيم بما يستجد من إجراءات إثبات حديثة يهتدي إليها العلم الحديث؛ تحقيقا لغاية التحكيم وهي سرعة الإجراءات والفصل في النزاع التحكيمي، كما لها تقصير المواعيد الخاصة بمسائل الإثبات عموما، وأهمها انتداب الخبراء وشهادة الشهود؛ وذلك لغاية التحكيم السابقة والخاصة بسرعة الفصل في الدعوى.

Monday, November 21, 2011

It's time to abolish the lashing penalty

By KHALID ALNOWAISER

Destroying a person's dignity should not be the purpose of lawful punishments in any society
I realize that this is another very sensitive subject, but I would like to make an important point in order to dis pel any confusion or misunderstanding. When I discuss a matter having religious implications, I do not mean to criticize the divine Islamic religion itself nor the positive achievements realized by Saudi Arabia, of which I can only express admiration, respect and my sincere devotion. However, I will criticize the wrongful practice of the religion when it betrays Islam's fundamental principle of human rights. My role as a writer is to speak out, no matter how sensitive the subject and try and stimulate my readers' thinking. I am not trying to impose my ideas on anyone, since it is up to the reader to decide what to believe. I do believe, however, that my articles serve a public purpose in promoting discussion among concerned citizens who can accept or reject my arguments as they see fit.
Having said this, I am fully aware that the penalty of lashing (like any other Islamic punishment) is a very sensitive issue for most people. Nevertheless, and in addition to the serious moral implications of such punishment, I must speak out because unless lashing is abolished, the image of Saudi Arabia will be profoundly and negatively impacted.
There are many men and women lashed daily in our country, and their cases are unknown to the public so punishment by lashing requires due consideration and deep thought and this should offend our sensibilities. Certainly, there must be an appropriate penalty for those guilty of violating our laws to prevent others from committing similar offenses; otherwise, anarchy and disorder would prevail in society. In this day and age, however, lashing is too harsh a penalty, especially when used on a woman; it not only destroys humanity and pride but also a person's dignity. This is not the purpose of lawful punishments for violations in any society. Demeaning the character of the offender produces negative effects far greater than any societal benefits.
One who is lashed loses his self-esteem and no longer cares for the consequences of his or her present or future criminal actions, no matter what punishment he or she may face. What other punishment could be harsher than lashing? It fully destroys personal dignity and creates lifelong shame among one's neighbors, coworkers and acquaintances. What other punishment is more repugnant, particularly if the punishment is imposed on a woman who might be a mother, a sister or a daughter of any of us?
We live in a great nation that has a strategic role in the international community due to religious, historic and geographic factors, in addition to its prominent place in the Middle East and its natural resources. Saudi Arabia is not Iran or any repressive regime; instead, it is a civilized country that is a member of the G20, an important member of the World Trade Organization (WTO), and more importantly, one of the most stable economic and political countries in this ever-changing and unstable world. This makes Saudi Arabia the focus of the entire world in the age of open satellite channels and globalization.
The issue of the lashing penalty as imposed in the Kingdom is troublesome, considering all of its civil, human and moral dimensions, especially now when we live in a time that emphasizes the importance of human rights issues like never before. We all know that the Kingdom imposes the lashing penalty in accordance with the provisions of the Islamic Shariah, but consider the following:
1. If the lashing penalty is imposed on the basis of texts in the Holy Qur'an, we must consider the text in the context when it was written and what the circumstances were at that time. For example, some Qur'anic verses are associated with a certain event that occurred in the lifetime of the Prophet Muhammad (peace be upon him). So the text was associated with a certain period, context and event. How can some people insist on reciting texts without thinking about the reasons and circumstances then existing or considering their context?
2. Let us ponder that there is no place for jurisprudence in the presence of a relevant text in the Holy Qur'an. Why did Caliph Al-Farooq stop granting people who converted to Islam their share from alms-giving (zakah), although mentioned in the Holy Qur'an, and declared that there was no need for them? Moreover, he suspended one of the Islamic penalties of theft in the year of Cinders (Aam Al-Ramada). Didn't these texts exist at that time as well? Didn't Caliph Al-Rashid issue a jurisprudence in spite of the existence of the texts very clearly in the Holy Qur'an and sought to achieve the interests of the Muslims without abiding by a specific text?
3. Furthermore, Shariah law includes many other penalties that are no longer imposed or indeed never have been imposed as punishments (an eye for an eye, a nose for a nose, an ear for an ear and a tooth for a tooth). The Kingdom stopped - or even did not practice at all - the gouging out of eyes, the cutting off of noses and ears, the breaking of teeth, and the cutting off hands of thieves. Yet, these penalties are included in clear and explicit Qur'anic texts as stated above. How can this be when religion is followed as a whole and not in parts, that is, it cannot be divided or classified?
The truth is that the Kingdom has been misunderstood and is suffering from a rigid interpretation of Islam by so-called religious scholars who are not only experts in memorizing and reminiscing instead of contemplating and studying, but who are resistant to change. All they want is to maintain the status quo and suppress intellectual curiosity and discussion.
Yet the question remains: Why are people in the Kingdom lashed? Is this the result of the Qur'anic texts or for other reasons? If the texts are the reason, it is clear that clinging to the text without taking into account the factors, circumstances and times of these verses is worrying and dangerous.
Saudi Arabia, for the sake of its image and human rights, should seek a religious way (fatwa) to abolish the lashing penalty in its entirety, especially when other Shariah punishments are not enforced. We live at a time when human rights should never be infringed, regardless of the circumstances. In fact, the Kingdom has always sought to defend human rights before every international convention.
The recent extraordinary resolutions allowing Saudi women to stand and vote in municipal elections and become members of the Shoura Council are not only wonderful and welcome, but are just another example of the truly progressive attitude shown by the Saudi government even at these challenging times where political turmoil is prevalent throughout the Arab world. We must now hope that these positive initiatives evolve into legislation furthering human rights and abolishing the lashing penalty once and for all. The question is: Do we have the collective will to do so?
- Dr. Khalid Alnowaiser is a columnist and a Saudi attorney with offices in Riyadh and Jeddah. He can be reached at: Khalid@Lfkan.com and/or Twitter (kalnowaiser)

Sunday, November 6, 2011

قراءة قانونية في قاعدة العقد شريعة المتعاقدين


د.خالد النويصر
khalid@lfkan.com
إن من أهم الأسس النظامية أن العقد شريعة المتعاقدين، حيث أصبحت قاعدة نظامية راسخة في الكثير من النظم القانونية في مختلف دول العالم، فالعقد بالنسبة إلى عاقديه يُعد بمثابة النظام أو هو نظام خاص بهما، وإن كان منشأه الاتفاق بينهما، وقد أوضح المولى - عزّ وجلّ - أثر العقد ومدى إلزامه طرفيه بقوله عزّ شأنه: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، وحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم)
ومعنى أن العقد شريعة المتعاقدين أن يكون الالتزام الناشئ من العقد يعادل في قوته الالتزام الناشئ من النظام، ولا يجوز للفرد أن يتحلل من كليهما. وتقوم هذه القاعدة على أسس فلسفية وأخلاقية واقتصادية وتاريخية وحضارية، فهي تقوم أولاً على إعلاء مبدأ سلطان الإرادة، أي أن الفرد لا يُلزم إلا بما أراد وإذا أراد أن يُلزم فلا يحول دون ذلك شيء، وهي تقوم ثانياً على أساس احترام العهد (إن العهد كان مسؤولا)، كما تقوم على وجوب استقرار المعاملات، فإذا كان العقد لا يقيد العاقد، فإن الناس تنصرف عن إبرام العقود وتشيع فيهم الفوضى وتنعدم الثقة، لذلك كان لا بد أن يكون للعقد قوة ملزمة بحيث لا يجوز لأحد المتعاقدين أن ينفرد بنقضه أو تعديله، وتلك هي الأسس التي تقوم عليها قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
وعلى هذا فإن العقد إذ يكون شريعة المتعاقدين، فإن النظام قد أراد له ذلك ليصير العقد نوعاً من النظام الخاص لمن عقدوه برضائهم، فإنه يتعين على المتعاقديْن أن يخضعا لما اشترعاه كخضوعهما لما شرعه النظام، كما يتعين على القاضي رعاية تلك العقود وحمايتها كرعايته للنصوص النظامية، بمعنى أنه إذا طُرح عليه نزاع بشأنها، فإنه يجب عليه تطبيق ذلك الحكم الخاص الذي وضعه المتعاقدان فيما بينهما والذي فرض له النظام العام تلك الصفة وذلك الإلزام، وأنه وإن كانت شريعة المتعاقدين تتفق والنظام في:
 إن النظام والعقد لهما قوة الإلزام.1
 2.إنه على غرار النظام وإمكان إلغائه بالطريقة التي سُن بها يمكن كذلك حل العقد بالوسيلة نفسها التي تم بها، أي باتفاق الطرفين
وجوب أن يسيطر حسن النية في تطبيق النظام كوجوبه في تنفيذ الاتفاقيات.3
كما أن هناك اختلافا بينهما في التالي:
 1.يمكن أن يلغي النظام نظاماً آخر أياً كان أمره، ولكن لا يمكن للاتفاقيات أن تتعارض مع القواعد النظامية المعتبرة من النظام العام أو الآداب أو العادات التي يقر بها هذه الصفة، لأن المغالاة في إطلاق العنان للإرادة في تقرير أن العقد شريعة المتعاقدين ليست أمراً حسناً وليس من شأنها تحقيق الصالح العام والعدالة في الكثير من الأحيان، ذلك أن العقد ولو أنه علاقة خاصة بين شخصين معنيين، إلا أنه قد يمس مصالح الغير ومصالح الجماعة، ولذلك وجب أن يتدخل واضعو الأنظمة لفرض رقابة على العقود عن طريق سن قواعد آمرة لا يجوز الخروج عليها، فهو يحرم بعض الاتفاقيات أو يعطل بعض الشروط أو يفرض بعضها على الطرفين، بل إن رقابة النظام وتدخله في ميدان العقد كثيراً ما يكونان في صالح المتعاقدين أنفسهم، وبذلك تنعدم المساواة بين طرفي العقد ويكون الطرف الضعيف فيه مهدداً بأن يغلبه الطرف الآخر الأقوى، عندئذٍ يجب أن يتدخل النظام بقواعد آمرة بقصد حماية المتعاقد الضعيف والحد من سلطان الإرادة.
2.هناك بعض العقود يحرم النظام إلغاءها ولو برضا الطرفين إلى جانب أن هناك بعض العقود التي لا تحل بإرادة واحدة كالحق المخول لأحد طرفي عقد الوكالة وعقد العمل الفردي المبرم لمدد غير محددة، أي أنه في مثل هذه الحالات قد يقع إلغاء العقد بغير الطريقة التي تم بها على خلاف النظام، فإنه لا يُلغى إلا بالنحو الذي صيغ به
 3.إن من شأن النص النظامي أن يكون تفسيره أكثر مرونة وقابلية للتكيف وفق الضرورات الاجتماعية والعملية، من ذلك الذي يضعه المتعاقدان ويلتزمان حرفيته الصريحة الواضحة، فحقيقة هذا القول تبدو واضحة فيما نضربه مثلاً لما يستلزمه النظام من وجوب عدم مخالفة ما اتفق عليه المتعاقدان للنظام العام أو الآداب، وهو النطاق الذي تسيطر عليه العوامل المختلفة من اجتماعية واقتصادية وسياسية في الأزمات المتفاوتة والأوضاع المتغايرة.
إنه لا ريب في أن العقد يكون شريعة المتعاقدين، طالما أنه قد أُجري في الحدود التي يبيحها النظام من ناحية عدم مخالفته للنظام العام أو الآداب العامة، وإذا جاء ما اتفق عليه المتعاقدان مخالفاً لقاعدة قانونية ليست معتبرة من النظام العام، فإنه يجب تغليب مضمون العقد على تلك القاعدة المخالفة.
وتفريعاً على ذلك، فإن القاضي لا يمكن له أن يرفض تنفيذ العقد بحالته بحجة تعارض مضمونه مع العدالة، إذ إن العدالة كما قلنا لا يمكن أن تطغى على إرادة المتعاقدين ولا يصح أن تنسخها وتعدلها، وإن كان يمكن أن تكون مكملة لها، والأمر في ذلك يطابق تماماً شأن العدالة في النظام، فلا يصح للقاضي أن يمتنع عن تطبيق نص من نصوصه بحجة تناقضه مع العدالة ولكن ليس معنى هذا أن يغفل القاضي قواعد العدالة مطلقاً، بل إنه من الواجب عليه أن يلجأ إلى أحكام العدالة والعرف ليستعين بها على معرفة إرادة المتعاقدين، وفي ذلك تكون تلك الأحكام مكملة لإرادة المتعاقدين.
وإذا طُرح على القاضي نزاع بتعلق بعقد لا يجوز إجراء أي تعديل فيه، فإن الأمر يكون كذلك مع أحد المتعاقدين، إذ بمجرد أن يتم التعاقد ويصبح ما اتفقا عليه شريعتهما التي أراداها، فليس لأحدهما الرجوع عن ذلك ولا العدول عنه تأكيداً لمبدأ أن الأفراد أحرار في تحديد مضمون الالتزامات الناشئة من العقد، وبالرغم من ذلك فإن الأنظمة أصبحت تتدخل الآن للحد من هذه الحرية، وذلك بإعطاء القاضي سلطة إعادة النظر في بعض التزامات المتعاقدين، إذا وقع أثناء التنفيذ ظرف طارئ غير متوقع عند التعاقد، ومن ذلك أيضاً قابلية تعديل أو إلغاء بعض الشروط التعسفية أو المرهقة في عقود الإذعان، فضلاً عن تنظيمه بعض العقود تنظيماً آمراً حتى أصبحت تلك العقود أقرب إلى النظام القانوني منها إلى العقد، ومثال ذلك عقد العمل والتأمين، فتنظيم النظام لهذه العقود هو تنظيم آمر في معظم إجراءاته.

Thursday, November 3, 2011

When Will We See Another Steve Jobs?








Saudi attorney
When Will We See Another Steve Jobs?
With the recent passing of the most important visionary and technology innovator of our lifetime, Steve Jobs, I am left with this question: Why can't the Islamic world produce a person as brilliant and generous as Steve Jobs? Let me suggest six reasons why we may not be able to do so.

We immediately think of the educational curriculum adopted in the Islamic countries, knowing that education is the first step toward refining the talent and minds of scientists, inventors and innovators. Yet, our curriculums are sterile and outdated and are unable to produce persons of the caliber of a Steve Jobs. Why is this so? Because these curriculums fail to value or embrace the disciplines that are vital for our modern times, sciences like mathematics, chemistry, physics, philosophy and logic, which have been disregarded and replaced by religious subjects. A nation cannot progress if it uses an educational system whose main focus is religion and in which secular pursuits are not given any importance. These curriculums are based on memorization and blind obedience while the curriculums that produced Steve Jobs and other brilliant innovators are based on understanding, comprehension, experimentation and invention. How can we change this paradigm?

Secondly, Islamic nations praise the abstract at the expense of the concrete, that is, they believe in the unknown and disregard reality by permitting religion to dominate all aspects of scientific inquiry. Although the Prophet said to the people of Medina, "You know best about the matters of your world," we remain obsessed with the taboos, heresies and errors of every useful science and do all we can to suppress legitimate questions. When all sorts of freedoms, sciences, inventors and innovators are suppressed and restrained, we are left with those scientists who specialize in the fields of menstruation, nifaas (bleeding after childbirth), halal, and haram.

Thirdly, Islamic countries are obsessed by angels and demons, God and Satan. If something fails, then its failure is due to the fact that God has decided that it is not meant to be, or Satan and his devilish schemes have caused it to fail. Conversely, if it succeeds, then this is God's plan and the result of prayer to keep Satan away. We rely too much on all things intangible and insubstantial, remaining in ignorance. Our biggest concern seems to be whether eating the meat of demons is haram or halal. How strange and ignorant is that?

Fourthly, the religious speech in Islamic countries tells us not to be impressed or admire the lives of other peoples, peoples who have struggled against cancer, walked on the moon and invaded outer space, peoples whose fleets roam the seas and whose aircraft rule the skies. While they have the ability and freedom to do what they please, we go to them in mourning like orphans, searching for medical cures, using their cars and airplanes, and continue to criticize them day in and day out in secret and in public, although we use all of their tools and inventions. How hypocritical!

Fifthly, we can see that Islamic nations have used lame and illogical excuses to push art aside and intentionally hide it from their people. All kinds of art such as music, theater, painting, and sculpture have been de-emphasized or completely disregarded. This has led to creating shaken and disturbed personalities and spirits, stifling talents that could add to the enjoyment of life. Art is a means to satisfy our soul and feed our emotions, producing a more confident, balanced and spiritual humanity and motivating people to live and work, and even more, to create, innovate and give of themselves to others. Art protects humanity from all that can bring it down and allows spirits and hearts to soar high into a sky filled with optimism and hope and to move steadily down the road of innovation, creation and discovery.

Finally, Islamic nations generally tend to dwell in the past at the expense of the present and the future and thus become prisoners of an outmoded way of thinking. Although great progress has been achieved in the past, now such countries seem frozen in time, unwilling or unable to foster the kind of visionary thinking and innovations epitomized by Steve Jobs. In short, we have watched as other countries have planned for the future by emphasizing the very things that made Steve Jobs' technologies so compelling and popular. Times change, challenges arise, and innovators respond and adapt. So must countries.

May God bless your soul, Mr. Jobs, for the many inventions that you have left behind for humanity. Someone of your brilliance could only be the product of a nation that has provided its citizens with a fertile environment to be creative and innovative and that has understood the reality of our times. How can Islamic nations achieve such progress? We must turn the page on extolling religious dogma that breeds ignorance and a disgust for the future. Let us hope another Steve Jobs will emerge to lead us towards a brighter future!

Follow Dr. Khalid Alnowaiser on Twitter: www.twitter.com/KALNOWAISER

Sunday, October 30, 2011

صناعة العقار في المملكة.. إلى أين المسار؟


د.خالد النويصر
khalid@lfkan.com
تشير المعطيات الاقتصادية إلى أن المملكة مقبلة على طفرة عقارية كبيرة ومهمة في إطار المناخ الاستثماري العام الجاذب للمستثمرين والشركات الإقليمية والدولية، وبفضل تلك الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية وغيرها أصبح العقار بالفعل صناعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
لقد قدّر الخبراء حجم الاستثمارات في السوق العقارية السعودية بنحو 1200 مليار ريال، وتشير التوقعات إلى أن حجم الأموال المستثمرة في هذا القطاع في تصاعد مستمر، كما أن كل المؤشرات على صعيد الاستثمار في المجال العقاري تشير إلى النجاح وفق الخطط التي تضطلع بها الدولة من أجل تطوير مدن المملكة، إلى جانب التوسع في مجالات وأساليب الاستثمار العقاري وتوافر رؤوس الأموال اللازمة للاستثمار في هذا الجانب الاقتصادي المهم.
إن القطاع العقاري في المملكة يشكل أهم دعائم الاقتصاد السعودي ويحتل المرتبة الثانية في اقتصاد المملكة بعد قطاع البترول، إذ تقدر نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 55 مليار ريال، ويشير الخبراء في هذا الجانب إلى توقع نمو هذا القطاع بشكل كبير في الفترة القادمة، خاصة بعد قيام وزارة خاصة بالإسكان إلى جانب ترقب إجازة نظام الرهن العقاري الذي من الممكن أن يحقق ازدهاراً في السوق العقارية نظراً لأن هناك مشاريع إسكانية كبيرة سيتم تنفيذها، كما ينتظر أن يسهم القطاع العقاري في توفير مزيد من فرص العمل للشباب السعودي، حيث تمثل العمالة في هذا القطاع نسبة مقدرة من إجمالي العمالة السعودية إذ تبلغ نحو 15 في المائة من إجمالي العمالة في المملكة.
كما يعزو الاقتصاديون انتعاش السوق العقارية في المملكة إلى عوامل عدة، أهمها ارتفاع أسعار النفط وارتفاع نسب النمو الاقتصادي في المملكة وتزايد حجم السيولة والزيادة السكانية المطردة التي تؤدي إلى زيادة الطلب على الوحدات العقارية، وقلة المخاطر الناجمة عن عملية الاستثمار في هذا القطاع بالنظر إلى القطاعات الأخرى، إلى جانب إنشاء وزارة للإسكان ومن قبلها الهيئة العليا للإسكان والتنمية العقارية بهدف تطوير وتنمية هذا القطاع الاقتصادي المهم، فضلاً عن مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــــــ حفظه الله ـــــ الذي يرمي إلى بناء 500 ألف وحدة سكنية تحت إشراف وزارة الإسكان، واتجاه شركة التطوير العقاري في المملكة لإعلان مزيد من المشاريع العقارية خلال الفترة القادمة، وتيسير سبل الحصول على القروض العقارية وغيرها.
وتشير كل التوقعات إلى أن تحقق المرحلة القادمة تطوراً كبيراً في هذا القطاع، حيث يؤمل أن يضحى أهم القطاعات الجاذبة للمستثمرين نظراً لعوامل عدة، أهمها ــــــ على سبيل المثال لا الحصر:
- النجاحات الكبيرة التي ظلت تحققها عملية الاستثمار في هذا الجانب في الدول الخليجية ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة.
  - العناية التي توليها خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية بهذا القطاع، إلى جانب زيادة المخصصات المالية له في الموازنة العامة للدولة.
- طرح الكثير من الشركات العقارية لمشاريع إسكان جديدة خارج مناطق المدن الكبيرة وغيرها من العوامل الكثيرة الأخرى.
إن هناك تعدداً ملحوظاً للفرص الاستثمارية العقارية في كل مدن المملكة، إلا أن المدينتين المقدستين (مكة المكرمة والمدينة المنورة) حازتا النصيب الأكبر لهذه الفرص الاستثمارية نظراً لوجود العامل الديني السياحي لهما ولكثرة زوارهما من المسلمين، الأمر الذي أعطى ميزة أخرى لهما لا تضاهيهما في ذلك أي من المدن الأخرى في المملكة، رغم أن المأمول أن يُفعل نظام تملك غير السعوديين للعقار واستثماره الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/15 بتاريخ 17/4/1421 هــــ، الذي منح المستثمر الأجنبي حق الاستثمار والتملك في هذا الجانب، حيث تشير المادة الأولى (أ) منه على أنه (يجوز للمستثمر غير السعودي من الأشخاص ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية المرخص له بمزاولة أي نشاط مهني أو حرفي أو اقتصادي تملك العقار اللازم لمزاولة ذلك النشاط، ويشمل العقار اللازم لسكنه وسكن العاملين لديه، وذلك بعد موافقة الجهة التي أصدرت الترخيص، كما يجوز استئجار العقار المشار إليه مع مراعاة ما ورد في المادة الخامسة من هذا النظام)، ب ـ ''إذا كان الترخيص المشار إليه يشمل شراء مبانٍ أو أراض لإقامة مبان عليها واستثمارها بالبيع أو التأجير فيجب ألا تقل التكلفة الإجمالية للمشروع عن ثلاثين مليون ريال ويجوز لمجلس الوزراء تعديل هذا المبلغ ...''، كما نصت المادة الثانية من النظام ذاته على أنه ''يسمح للأشخاص غير السعوديين ذوي الصفة الطبيعية المقيمين في المملكة إقامة نظامية بتملك العقار لسكنهم الخاص، وذلك بعد الترخيص لهم من وزارة الداخلية".
ومع التميز الكبير للسوق العقارية السعودية نظراً لوفرة العرض وتوافر رؤوس الأموال واتساع مساحة المملكة التي تضم أماكن سياحية وصناعية وزراعية ممتازة، إلا أن السوق العقارية فيها تحتاج إلى مزيد من الاهتمام وإزالة بعض التحديات ووضع الآليات الكفيلة بانطلاق هذه السوق لتحقيق طفرة واسعة في هذا المجال، ومن أهم تلك الآليات والحلول:
أولا: إيجاد آلية لترخيص المساهمات وكيفية متابعتها والرقابة عليها والحد من البيروقراطية بكل أشكالها وأنواعها.
ثانياً: تصحيح مسار الأسهم العقارية وطريقة تداولها من قبل الجهات الرسمية المختصة بهذا الشأن عن طريق زيادة الشفافية وتطبيق مبادئ الحوكمة في الشركات العقارية.
ثالثاً: توفير الحماية لكل المستثمرين في هذا الصعيد بمختلف مستوياتهم من حيث حماية حقوقهم وإيجاد مرجعية تفض مشكلاتهم وتعالج قضاياهم، وذلك ليتحقق الاستثمار الآمن في هذا الجانب الاقتصادي المهم وتوحيد المرجعيات الرسمية وتوفير التخطيط السليم في مجال الاستثمارات العقارية، وإنه لعمري أن تعدد المرجعيات هو العائق للاستثمار في كل دول العالم.
رابعاً: تطوير البيئة التنظيمية والقانونية على هذا الصعيد، ووضع التشريعات المرنة التي تواكب العصر وتساعد باحث السكن الصغير قبل المستثمر على تحقيق غايته.
خامساً: وضع آليات جديدة للتمويل والاستثمار في هذا الجانب، وضرورة أن تتدخل مؤسسة النقد العربي السعودي باعتبارها شريكاً استراتيجياً في المساعدة على تنفيذ خطط الدولة في القطاعات كافة، ولا سيما هذا القطاع الحيوي، بأن تحث البنوك على تسهيل عملية التمويل لصغار الملاك، لأن الإنسان الذي يملك السكن يشعر بالأمن والأمان.
إن المملكة رغم ما تمر به المنطقة الملتهبة قادرة - بإذن الله - على توظيف وتطوير العقار بشكل يختلف عن الشكل التقليدي له في سبيل إسهامه بقوة في دفع عجلة اقتصاد الوطن.

Sunday, October 23, 2011

يرحمكالله يا فقيد الوطن


د.خالد النويص
khalid@lfkan.com
عندما يرحل الكبار يبقون أبداً خالدين في حياتنا وتبقى أعمالهم وإنجازاتهم تحدث عنهم وتذكرنا بهم دوماً. إن فقيد الأمة الكبير سيدي صاحب السمو الملكي الأمير/ سلطان بن عبد العزيز - يرحمه الله - وخلال مشوار حياته قد آل على نفسه أن يكون لصيقاً بهموم مواطنيه ونصيراً ويداً حانية للضعفاء والمستضعفين والفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات واليتامى والأرامل.
رحل عن هذه الفانية سلطان الخير - يرحمه الله - وهو الذي تتلمذ في فن السياسة على يديّ والده الملك المؤسس - طيب الله ثراه - وخرج من كنفه متشبعاً بحنكته وخبرته في العمل السياسي العام. وبدأ ذلك منذ ريعان شبابه، إضافة إلى خبرته الكبيرة من خلال عمله مع إخوته الملوك الكرام - رحمهم الله - إلى أن أضحى ولياً للعهد ونائباً أول لرئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى تحمله مسؤولية وزارة الدفاع والعديد من أجهزة الدولة الأخرى المهمة والحساسة في عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - وظل في هذه المناصب حتى وافته المنية فله المغفرة.
كان الراحل - عليه رحمة المولى ورضوانه - رجل دولة من طراز فريد وقف إلى جوار إخوانه الملوك - يرحمهم الله، وإلى جوار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - كذراع يمنى له في مختلف الشؤون والأمور والقضايا، وتسلم عدة ملفات وطنية وإقليمية ودولية مهمة وحساسة وعالجها بكل الحكمة والحصافة السياسية الكبيرة، وإليه - يرحمه الله - يرجع الفضل في وضع اللبنات المتينة والأسس القوية لبناء جيش حديث قوي للمملكة وتجهيزه وتدريبه وتسليحه بأحدث ما وصلت إليه تكنلوجيا السلاح ليضطلع بدوره في حماية تراب هذا الوطن الطاهر الأبي.
أما على الصعيد الإنساني والخيري فقد كان الفقيد الراحل يجسد دوماً الجانب الإنساني النبيل والكريم والشهم، حيث كان حريصاً على التقرب من مواطنيه ومشاركتهم آلامهم ومشكلاتهم وهمومهم حتى يقف عليها ويضع الحل لها، حيث كان أميراً شيمته التواضع وإسداء الخير للآخرين، حيث كان مجلسه يتألف من الفقراء وأصحاب الحاجات وغيرهم. وكان يبحث دوماً عن المرضى ليتكفل بعلاجهم حتى عُرف بأنه نصير كل مريض، ولم يُعرف عنه قط أن رد أي إنسان داهمه المرض أو الحاجة.
رحل عن هذه الفانية سلطان الخير وأمير العطاء ونصير المحرومين الذي امتدت أياديه ومعروفه ووقفاته الإنسانية والخيرية النبيلة إلى كل الفقراء والمساكين وذوي الاحتياجات وغيرهم داخل المملكة أو خارجها، بل على المستوى الإقليمي والدولي، حيث توّج هذا الجهد الإنساني الكبير بإنشائه - يرحمه الله - مؤسسة سلطان الخيرية التي امتدت لتواسي المحرومين وتمسح الدمع عن عيون الأيتام والأرامل وغيرهم من الفقراء الذين هدّهم الدهر والفاقة والحاجة. ولم يقتصر هذا الدور الخيري والإنساني على الجانب المحلي فحسب، وإنما امتد ليشمل الفقراء والمحرومين في بقاع الأرض كافة، حيث امتدت يداه بالعطاء لمساعدة وإغاثة الفقراء والمستضعفين في كل مكان. ثم كانت له - يرحمه الله - لفتة بارعة عندما أمر أن تُعنى تلك المؤسسة بمساعدة الجوانب العلمية ودعم الجامعات والكليات وحتى المستشفيات العامة أو الخاصة، وتوفير سائر مستلزمات ذوي الاحتياجات الخاصة من الأجهزة والمعدات الطبية وغيرها.
جاء الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى هذه الدنيا متواضعاً ومحباً لتقديم الخير للآخرين ورحل عنها وهو أكثر صدقاً وأعطر سيرة وأبقى ذكرى. وعزاؤنا أن إنجازاته الوطنية الكبيرة وأعماله الإنسانية الشهمة والنبيلة الكثيرة والمتعددة ستظل باقية، بل شامخة وسامقة تحدث عن سيرة أمير أحبه مواطنوه وقرنوا اسمه بالخير ووضعوه في حدقات عيونهم وسويداء قلوبهم، وبرحيله يفقده الوطن ويفقده المواطن ويفقده البناء والتنمية، وتفقده مملكتنا الغالية وهي أحوج ما تكون لخبرته وحنكته، ولكن هذه إرادة الله التي لا راد لها. نسأل الله العلي العظيم أن يجبر الكسر وينسي الرزء ويهوّن عظم المصيبة وفداحة الفقد ولوعة الفاجعة، ويلهم سيدي خادم الحرمين الشريفين وسمو النائب الثاني - حفظهما الله - والأسرة الكريمة المالكة، بل ويلهمنا جميعاً الصبر وحسن العزاء والسلوان في هذا المصاب الوطني الأليم على سلطاننا الشهم الكريم والنبيل، وأن يتقبله المولى عزّ وجلّ القبول الحسن في جنات الخلد مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، فلله ما أعطى ولله ما أخذ ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنّا لفراقك لمحزونون يا سلطان الخير.

Sunday, October 16, 2011

أما حان الوقت لصدور نظام للعقوبات البديلة؟


د.خالد النويصر
khalid@lfkan.com
لقد أدى تطبيق العقوبات البديلة للسجن إلى خطوات إيجابية في كثير من دول العالم تجاه انحسار العقوبات السالبة للحرية بعد أن ظلت عقوبة السجن العقوبة السائدة، حيث إنه ومع تقدم مسائل مثل حقوق الإنسان وعلم الاجتماع وغيرهما، فقد بدأ التساؤل عن مدى جدوى السجون في بعض الحالات.
ويمكن تعريف العقوبات البديلة بأنها عبارة عن مجموعة من الجزاءات التي يمكن أن تكون بديلاً للعقوبات التقليدية الكثيرة من سجن وغيره، وتتضح فوائد تلك الجزاءات التي يراد إحلالها مكان العقوبات التقليدية التي تكلف الدولة أموالاً باهظة، فضلاً على تبعاتها السلبية الأخرى على الفرد والأسرة والمجتمع، لدى تكليف المسجون بتقديم خدمات للمجتمع من خلال قيامه بأعمال وخدمات اجتماعية وغيرها.
وفي المملكة، فإن تطبيق العقوبات البديلة أمر لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية السمحة أو الأنظمة السائدة، حيث إن الشريعة ترتكز على أسس وقواعد واضحة ومهمة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وقد أبانت بجلاء ووضوح تلك العقوبات الثابتة التي لا يعتريها تغير بتغير تلك العناصر مثل عقوبات القصاص والحدود وأرست لها القواعد الشرعية اللازمة، فضلاً على ثبوت الجريمة التي يُطبق على مرتكبها عقوبة القصاص أو أي من الحدود الأخرى.
إن هناك نتائج وفوائد جمة من تطبيق تلك العقوبات البديلة من أهمها معالجة مشكلة تكدس واكتظاظ السجون بالسجناء في جرائم دين مستحق أو نتيجة لجنح طفيفة، وما يستصحبه هذا الأمر من آثار ومشكلات صحية ونفسية سيئة، إلى جانب حماية الشخص نفسياً وجسدياً وعدم مخالطة المسجون في حق خاص أو جُنح بسيطة لعتاة المجرمين وأصحاب السوابق الجنائية الكبيرة والخطيرة، وخفض النفقات الباهظة المترتبة على الدولة من جراء إعالة وحماية ومتابعة أولئك المسجونين والتركيز على عمليات الإصلاح والتأهيل في السجون على المجرمين الحقيقيين والخطرين واستفادة المجتمع من تلك الخدمات التي يقدمها أولئك الأشخاص المطبقة عليهم تلك العقوبات البديلة، فضلاً على الإبقاء على الأواصرالأسرية وتوفير سبل المعيشة لأسر المسجونين.
إن هنالك عقوبات بديلة عديدة وكثيرة يمكن تطبيقها على السجناء في جرائم طفيفة بدلاً من عقوبة السجن، فعلى سبيل المثال فإن السجناء في حق مالي خاص يمكن مصادرة أموالهم الثابتة أو المنقولة إلى الحد الذي يغطي قيمة الدين والمنع من السفر وتجميد الحسابات البنكية إلى ما يغطي قيمة الدين وإعطاء القضاة صلاحية اقتطاع جزء من راتب الموظف أو العامل في القطاع الخاص وتعطيل كل    اط مهني معين أو إخضاعهم لتأهيل مهني محدد هدفه إبعادهم عن جو الجرمية وإصلاح سلوكهم، والإقامة في مكان معين لفترة محددة ومنع الجاني عن ارتياد أماكن محددة والخضوع للمراقبة الاجتماعية وإلزام المحكوم عليه ببعض الأعمال مثل الزراعة وخدمة كبار السن والمعوقين والأسر الفقيرة وتنظيف الحدائق والمرافق العامة وغيرها.
إن المشكلة ليست في الأخذ بالعقوبات البديلة وتطبيقها، إنما تكمن في وضع التقنين والآليات والضوابط الكفيلة بتحقيقها لأغراضها المبتغاة منها - والتي قد لا تحققها - إذا لم تراع كل هذه الأمور بشكل دقيق وصحيح، بل ربما تكون أضرارها السلبية أكثر من عدم تطبيقها، ومن أهم هذه الضوابط ما يلي:
أولاً : ضرورة التقنين: فالعقوبات البديلة كغيرها من العقوبات الجزائية التقليدية الأخرى يجب ضبطها بما يضبط به أي نص جزائي، ولا بد لها كذلك من إلزامها إلزاماً صارماً بمبدأ أنه (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، ولا يمثل هذا الجانب التزاماً يمكن تجاهله في إطار مبدأ توطيد العقوبات البديلة وترسيخها على حرية القاضي في عملية الاجتهاد، بل الأمر على خلاف ذلك، إذ إن ثمار الالتزام به من الجانب الموضوعي أعمق من عملية ترسيخ دور القاضي ليضطلع بعملية الاجتهاد، كما تساعده أيضاً على معرفة صلاحياته وحدوده وبذلك يترسخ مبدأ العدالة بأسلوب منهجي سليم.
ثانياً: تحديد الكيفية والأسس التي يمكن الأخذ بها: إن مجرد تقنين هذه العقوبات في حد ذاته أمر غير كافٍ وحده، حيث يجب أن يلتزم النظام بقواعد التجريم والعقاب الواجبة في أي نص جنائي ليتم في ضوئها تحديد أنواع تلك العقوبات تحديدا واضحاً لا يشوبه أي لبس أو غموض حتى تصبح عقوبات متدرجة ومتعددة في جوهرها مع أهمية إرساء كل الأسس التي تمكن القاضي من تغيير العقوبات الأصلية بعقوبات بديلة كنوع الجريمة وحجمها وغيرهما من الأمور الأخرى.
ثالثاً: ضمان التنفيذ: كي تؤدي العقوبات البديلة الهدف الذي صدرت من أجله، فلا بد من تنفيذ ما يصدر منها من أحكام، ويمكن في هذا الصدد إنشاء إدارة متخصصة تتولى عملية المتابعة اللازمة والمهمة في هذا الشأن لتقف على الفائدة الحقيقية للحكم بها ومدى فاعليتها على المحكوم عليه، ويمكن اللجوء إلى إلغائها عن شخص ثبت لديه نزعة متأصلة في الجريمة حتى لا تكون العقوبات البديلة فرصة له أو لغيره للاستهتار بحقوق الناس وبالنظام العام، كما يجب متابعة المحكوم عليه بها لمدة زمنية معينة للوقوف على مدى عملية الإصلاح والتأهيل والأثر الناجم على شخصيته من جراء ذلك.
رابعاً: أهمية عملية التسبيب: إنه في العصر الراهن فقد تلاشت مسألة الصلاحية المطلقة في إطار العمل القضائي، حيث لم تعد هذه الخاصية لدى أي من القضاة أو العاملين في هذا المجال ليتميزون بصلاحية أو سلطة جنائية مطلقة في كل مراحل الدعاوى المختلفة، حيث أضحت الأمور المتعلقة بالاستدلال خاضعة لرقابة سلطة التحقيق التي تجري مراجعتها لدى النظر في الدعوى، ولا تعني عملية الأخذ بالعقوبات البديلة تخلي القضاء عن تسبيبب الأحكام الصادرة عنه.
خامساً: عملية التقييم المستمرة: يجب أن يكون هناك تقييم ومراجعة بصفة دورية ودائمة لتلك العقوبات للتأكد من فاعليتها في تحقيق الأهداف المرجوة منها، حتى لا يؤدي الأمر إلى إفراط في صدورها وفي الوقت ذاته تجاهلها وعدم الأخذ بها، الأمر الذي يؤدي إلى الغرض المنشود منها.
ولذلك كله فقد حان الوقت لإصدار نظام متكامل للعقوبات البديلة يساعد القضاة والدولة معاً، بل حتى الأشخاص المتهمين - إذا كانت لديهم ميول للإصلاح ـ كما يساعد على توطيد هيبة النظام، وفي الوقت ذاته العمل على إصلاح المحكوم عليه.