Translate

Sunday, August 14, 2011

جلدالمحامين.. حتى لا يصبح ظاهرة أو من المسلّمات


د.خالد النويصر
khalid@lfkan.com
مؤرق هذا الأمر، بل ومزعج للغاية، وهو ما نقرأه ونسمعه بين الفينة والأخرى من طرد أو توقيف أو جلد أو سجن للمحامين نتيجة اختلافهم أو خلافهم مع بعض القضاة إلى الحد الذي نخشى بأن تصبح هذه ظاهرة تنتشر في مجتمعنا، حيث يُجلد بعد ذلك أساتذة الجامعات والأطباء أو المهندسون أو المعلمون أو المعلمات وكل المهنيين الآخرين وغيرهم.
إن الحكم بجلد محامٍ ما - في قضية يترافع فيها - لهو أمر له أبعاده الخطيرة والسلبية ليس على المحامين فحسب، وإنما على سير العدالة وسمعة الوطن، فإذا كنا نتقبل عقوبة الجلد أو غيرها من العقوبات التي تُطبق على المحامين، فإن معنى ذلك أننا أصبحنا مجتمعا لا يقدر العدالة ولا الحفاظ على مسارها؛ لأن المحامي هو جزء من هذه المنظومة التي تشمل القاضي والمحامي وكل العاملين في مجال القضاء على اختلاف درجات عملهم ووظائفهم.
أدرك جيدا أن هناك بعضا من المحامين الذين يصعب التعامل معهم، وربما أساؤوا للمهنة بشكل غير مقبول، بل وإني على المستوى الشخصي ومن خلال سنوات ممارستي لهذه المهنة واجهت الكثير من الصعوبات وعدم الالتزام بأخلاق المهنة والإساءات من بعض المحامين، بل وإني لا أخفي سرا أنه ومن خلال عملي كمحكّم أيضا في غير قضية، فقد تعاملت مع بعض المحامين الذين يجيدون - وللأسف الشديد - كل فنون المماطلة وعدم احترام حقوق الآخرين وخلافه - وكنت أتذكر في أكثر من مناسبة دوما (رغم أني كنت محكما ولست قاضيا والذي هو أولى بأن يُكنّ له كل الإجلال والتقدير) حجم الضغوط النفسية والأعباء الكبيرة التي يواجهها القضاة، ولا سيما في عدم وصول المحاكم إلى الدرجة المرجوة والمنشودة من الترتيب والتنظيم لتساعد القضاة على تخفيف الأعباء الكبيرة التي تقع على كاهلهم نتيجة لكثرة القضايا وتشعبها وتعقيدها وعدم وجود الكوادر البشرية الكافية والمؤهلة لمساعدتهم في أداء مهامهم على الوجه المطلوب. وفي الجانب الآخر فقد مررت - كما هو الحال مع غيري - ببعض الصعوبات والتجارب القاسية مع بعض القضاة، ولكن الخلل هنا يكمن في أمور عدة، منها - على سبيل المثال وليس الحصر - غياب التشريعات اللازمة التي تساعد على تقنين العلاقة فيما بين القاضي والمحامي لكي يصلا سويا إلى النتيجة المنشودة، وهي أن يعملا معا لإعلاء كلمة الحق والعدالة بدلا من أن تكون علاقة يسودها التشنج والتوتر.
بيد أن هذه الأمور كلها لا تبرر بأي حال من الأحوال طرد أو توقيف أو جلد أو سجن محامٍ يترافع أمام قاضٍ في قضية ما؛ لأنه في الحقيقة إن مثل هذه العقوبات تسيء للقضاء والقضاة أكثر مما تسيء للمحامين ذاتهم، وربما ترسل رسالة خاطئة بأن هناك تعسفا في استخدام سلطة ما أو نظرة دونية أو حتى احتقار لمهنة المحاماة والمحامي، فكيف بالله عليكم لو حدث على سبيل المثال أن أتى محامٍ مع موكله ورآه بعد ذلك يُطرد أو يُوقف أو يُجلد أو يُسجن فما هي نظرة الموكل لهذا المحامي وماذا سيكون الحال لو كان الموكل أجنبيا ورأى كل ذلك بأم عينه أو علم به؟ وماذا ستكون نظرته للقضاء، بل المملكة برمتها عندما يرى أن محاميه الذي لاذ به ولجأ إليه ليساعده في محنته وقضيته يُطرد أو يُوقف أو يُجلد أو يُسجن بعد ذلك؟.. أليس في ذلك إساءة للوطن وسمعته خاصة ونحن مكشوفون أمام العالم الخارجي سواء في المرفق القضائي أو غيره؟.. وفي وقت تأتي أو تحدث فيه مثل هذه الأمور بعد أن شرع خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - وعهد على نفسه بإصلاح المرفق القضائي برمته وقدم وما زال يقدم الكثير.
إذاً ما الحل للتصدي لهذا الأمر الخطير والمؤلم في الوقت نفسه؟ إن الحل يكمن في التعجيل في إنشاء هيئة المحامين - والتي لا أعرف السر في تأخير إنشائها حتى الآن - ليُحال إليها من قبل القضاة أي أو كل محامٍ يخالف النظام أو يسيء الأدب مع أي طرف، وبالذات القضاة الأفاضل، وإلى أن ترى هذه الهيئة النور، فإني أناشد رئيس المجلس الأعلى للقضاء ووزير العدل (وكلاهما معروف عنهما حرصهما على سمعة الوطن ودعم وحماية مهنة المحاماة) التدخل السريع لإلغاء أو إيقاف عقوبات طرد وتوقيف وجلد وسجن المحامين وتوجيه المحاكم بأن أقصى عقاب يحق للقاضي تطبيقه هو منع المحامي من الترافع في القضية ذاتها، أو أن يتم ذلك مع إحالته إلى إدارة المحامين بوزارة العدل لاتخاذ أي إجراء مناسب تجاهه في - حال إدانته - بأن تُطبق عليه أي من الإجراءات التأديبية اللازمة حتى ولو تطلب الأمر منعه من مزاولة المهنة لمدة محددة.
والأمر الأخير أنه لماذا لا يتم (كما هو الحال في العديد من دول العالم الأخرى) تصوير وتسجيل ما يدور في جلسات المحاكم ليتم الرجوع له من قبل الجهات القضائية المختصة في مخالفة محامٍ أو غيره؟.. إن كل هذه الإجراءات لو تمت فإنها لن تساعد على حماية وصون هذه المهنة النبيلة فحسب، بل وأهم من ذلك كله فإنها ستساعد على حماية سمعة الوطن الغالي وترسل رسالة للعالم أجمع بأنه بالفعل وطن يحترم ويجل مرفق القضاء والمتعاملين معه والمحامين (وهم المتوقع أن يكونوا حماة العدالة) وغيرهم ويفرد لهم مكانتهم وتقديرهم الكبيرين، وتوضح للعالم أجمع بأن العدالة والتقاضي والترافع أمام المحاكم السعودية كلها تمتاز بشفافية عالية تحصنها من كل تهمة تمس العدالة.
وختاما وحتى لا يُفهم بأنني منحاز إلى صف المحامين، فإني أود أن أشير إلى أن التجارب ومدرسة الحياة علمتني بأن أكنّ كل إجلال واحترام وتقدير بدرجة أساسية وأولى وكبيرة لثلاثة أصحاب مهنهم المعلم ورجل الأمن والقاضي، وهذا الأخير بالذات لا بد له دوما وأبدا كل الإجلال والاحترام والتقدير.

Sunday, August 7, 2011

أياوزارة العدل .. أما حان الوقت لتعديل نظام المحاماة؟


د.خالد النويصر
khalid@lfkan.com
سبق أن تناولت في مقالة سابقة أهمية حق المحامي في الحصول على صور المستندات الموجودة لدى الجهات الرسمية ليتمكن من الدفاع عن موكله بشكل فاعل، الأمر الذي يساعد على الوصول إلى تحقيق العدالة المنشودة، وأشرت إلى أن هناك العديد من الأمور الأخرى التي تحتاج إلى إعادة نظر في نظام المحاماة، التي سأتناول بعضاً منها في هذه المقالة.
إن مشكلة حصول المحامي على أتعابه المتفق عليها مع موكله تُعد من الأمور التي تؤرق الكثير من المحامين بسبب امتناع بعض العملاء عن سداد هذه الأتعاب، خاصة بعد انتهاء الأعمال المطلوبة من المحامي، وربما يحدث ذلك بعد أن يكون قد قضى المحامي سنوات عدة من العمل الشاق والدؤوب، سواء وحده أو مع فريق يعمل معه، ـ وبعد أن يكون قد بذل الكثير من التفكير والجهد الكبير وتحمل ضغوطاً وأعباء نفسية شاقة.
وفي المملكة، حدد نظام المحاماة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/38 وتاريخ 28/07/1422هــ في مادته السادسة والعشرين أتعاب المحامي إذ نص "تُحدد أتعاب المحامي وطريقة دفعها باتفاق يعقده مع موكله، فإذا لم يكن هناك اتفاق أو كان الاتفاق مختلفاً فيه أو باطلاً قدرتها المحكمة التي نظرت في القضية عند اختلافها بناء على طلب الموكل بما يتناسب مع الجهد الذي بذله المحامي والنفع الذي عاد على الموكل. ويُطبق هذا الحكم كذلك إذا نشأ عن الدعوى الأصلية أي دعوى فرعية أخرى".
ومن المعروف أن أتعاب المحامي هي بمنزلة أجرة مشروعة مقابل خدمة يؤديها لمصلحة موكله، حيث ينشأ واجب سداد أتعاب المحامي من جانب الموكل نظير بذل العناية والجهد من المحامي، فليس مطلوباً منه تحقيق نتيجة، بل بذل جهد معين من العناية والحرص على مصالح موكله، شأنه في ذلك شأن الطبيب أو غيره. ويفترض أن يقوم المحامي بتحديد أتعابه بعد دراسة الأعمال القانونية المطلوبة منه وإمكانية تحقيقها وحجم العمل والمدة التي قد يستغرقها تحقيق هذا الأمر، ومن ثم يقدم عرضه لموكله، فإن قبله فإنه يصبح بذلك ملزماً لكليهما وعليهما احترام ما جاء في العقد المتفق بينهما.
كما تُعتبر أتعاب المحاماة مستحقة بمجرد انتهاء مهمة المحامي المتفق عليها بينه وبين موكله ويجب سدادها فور استحقاقها، إذ إنه من المعروف أن مهام وواجبات المحامي تتطلب، إلى جانب ما ذُكر أعلاه، توفير إمكانات ووسائل مادية ليقوم بواجبه القانوني على الوجه المطلوب وبفاعلية أكبر من خلال مقر يضطلع ويمارس فيه مهامه ويلتقي ويتناقش فيه مع وكلائه في قضاياهم، ويقوم بدفع أجور مساعديه والعاملين معه، فضلاً عن قيامه باقتناء المراجع القانونية التي تمكنه من الوقوف على التطورات والمستجدات التشريعية والنظامية المتلاحقة بين الحين والآخر، علاوة على الالتزامات الأخرى التي تتطلبها بعض الحالات مثل التنقل والاجتماعات والمفاوضات وخلافها.
إن مسألة تحديد أتعاب المحامي وكيفية اقتضائها لهي أمر في غاية الأهمية بعلاقة المحامي مع موكله، والملاحظ أن النظام تركها كعملية وفاقية بين الطرفين، إلا أن هذه العلاقة تحكمها كذلك ضوابط عدة: عرفية وأخلاقية، وإذا كان مطلوباً أخلاقياً من المحامي النأي بنفسه وبمهنته الرفيعة عن كل السلوكيات والأساليب التي قد تضفي عليها طابع الربحية والنظرة التجارية البحتة والالتزام بالحرص والأمانة والمحافظة على حقوق موكله، فإنه متوقع منه كذلك عدم ممارسة أعماله مجاناً إلا في ظروف إنسانية يقدرها هو بذاته، مع ملاحظة أن لكل محامٍ أو مكتب أو شركة محاماة سياسة مالية خاصة في تقدير الأتعاب.
وتكمن المشكلة في أنه قد يثور خلاف أو نزاع بين المحامي وموكله بسبب سداد الأتعاب المتفق عليها سواء أثناء سير الأعمال المكلف بها أو بعد الانتهاء منها، وقد يمتنع الموكل عن سداد أتعاب المحامي دون أي مبرر مشروع، الأمر الذي يلحق أضراراً به قد تطول حتى العاملين معه، وربما تؤدي إلى اضطراره إلى التوقف عن العمل، ما يضر بمصلحة موكله، بل بتحقيق العدالة أيضاً، خاصة إذا لجأ الموكل إلى التأخير أو الامتناع عن سداد أتعاب محاميه المتفق عليها مستغلاً بذلك طول أمد التقاضي في حال لجوء الأخير إلى القضاء للحصول على حقوقه.
وحلاً لهذه المشكلة يجب على الجهات الرسمية المختصة العمل على تسريع تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بين المحامي وموكله تطبيقاً لقاعدة الوفاء بالعقود، لذلك فإنه يجب أن تُنظر دعواه في مطالبته لموكله بخصوص سداد أتعابه بصفة مستعجلة، وعليه، فإنه من الضروري بمكان أن تُعدل المادة الآنفة الذكر أو يُنص في مادة جديدة أخرى على مدة محددة لحصول المحامي على حقوقه، ولتكن على سبيل المثال مدة أقصاها ثلاثة أشهر (وهو الأمر المعمول به في كثير من دول العالم)، نظراً لأن هذه الحقوق تمثل أجرته ومصدر رزقه، بل لقمة عيشه، فضلاً عن أن هذه المهنة يجب أن تُصان وتُحمى وتُحصن، فكما أن هناك محامين يسيئون إلى المهنة بشكل أو بآخر، فإن هناك – مع الأسف - بعض الموكلين الذين لا يلتزمون لا بعقد ولا بغيره.
أما في حال عدم وجود عقد مكتوب واقتضى الأمر تقدير هذه الأتعاب فيُفضل أن تُشكل لجنة تحددها المحكمة ذاتها من ثلاثة محامين معهود عنهم الخبرة والأمانة والنزاهة لتقوم بتحديد أتعاب المحامي وترفع تقريرها في مدة شهر للمحكمة المختصة التي تحكم في أتعاب المحامي بما انتهت إليه هذه اللجنة، على ألا تتجاوز مدة كل هذه الإجراءات وإلى حين صدور حكم نهائي وقطعي ثلاثة أشهر كذلك، إذ لا يجوز - بعد أن يكون قد صرف المحامي سنوات عدة في الدفاع عن حقوق موكله - أن يقضي مدة مماثلة أو أطول في الحصول على حقه لما في ذلك من ظلم وإجحاف له، فضلاً عن أن في ذلك إرهاقا ومشقة على القضاء والقضاة.
والأمر الأخير أنه لا بد من إيقاف عملية إشهار إلغاء الوكالات من خلال الصحف لما في ذلك من تشهير وامتهان لسمعة وكرامة المحامي، إذ إن ذلك الإجراء ربما يكون مبرراً في السابق، أما الآن وفي ظل وجود الحاسب الآلي والتقنية الحديثة لدى كُتاب العدل، فإن البديل هو أن يقوم الموكل بعزل محاميه عن طريق كُتاب العدل الذين يُفترض أن يكونوا على ارتباط إلكتروني بكل الجهات الرسمية والقضائية، بحيث يتم تعميم ووقف استخدام الوكالة المعنية، وفي ذلك حماية أكبر للموكلين من اللجوء إلى الوسيلة التقليدية، وهي الإشهار في الصحف، التي ربما لن يطلع عليها الكثيرون، وبذا تصبح عملية غير ذات فائدة أو جدوى.